- Posted by خولة قلعه جي
- 30 مايو 2023
التأصيل الجمالي للحِرَفْ الإسلامية
تعريف التأصيل
يعرف التأصيل حسب لسان العرب” بأنه أصل الشيئ أي صار ذا أصل، وكذلك تأصل ويقال تأصلت الشجرة أي ثبت أصلها، وقطع أصيل مستأصل وأصل الشيئ قتله علماً، فعرف اصله ويقال أن النخل بأرضنا أصل أي هو به لايزال” والتأصيل يراد به الاستناد إلى أصل واضح ومتماسك، وهذا الأصل إما أن يكون على صورة دليل او على صورة قاعدة.
أما علم الجمال فهو عبارة عن درس فلسفي عن الفن أو كل تفكير فلسفي بالفن، إذاً هو مراوحة بين المنجز المادي ودلالاته وما ينشأ عنه من نظريات جمالية، ودائماً ما يحصل خلط بين الجمال والفن رغم الاختلاف بينهما، فالدهشة المنبعثة نتيجة رؤية فسيفساء الجامع الأموي في دمشق ورؤية منبر جامع عقبة بن نافع وقطع الخزف التي يتألف بها محرابه والخط العربي على واجهة تاج محل في الهند( سورة ياسين)، وزخارف التحف المنقولة الكتابية والهندسية، هذه الدهشة لا تستطيع لمسها لكنها ناتجة عن مكون مادي ذو أبعاد ثلاث تستطيع لمسه.
ونقصد بلتأصيل الجمالي، أصالة القيمة الجمالية ووجودها وتذوقها في زمن إنتاج مواد الفن الإسلامي مهما كان نوعه( كتب ، خزف، المشغولات المعدنية والخشبية، النسيج….)، إذ تم إنتاج كثير من المواد لغاية جمالية في ذاك العصر، مثل الهدايا التي تقدم للملوك كالمخطوطات الخزائنية ( التي تم ترصيعها بالأحجار الكريمة أو تمت صناعتها بأوراق وصفائح من الذهب والفضة او تذهيبها وزخرفتها لتناسب الإطار العام الذي سوف تقدم فيه، والأمثلة كثيرة وكثيرة جداً على ذلك نلمس آثارها عند جامعي التحف الأوربيين، الذين لم يكن هدفهم الفن بقدر ما كان السعي إلى تكديس الاقتناءات الثمينة من التحف الإسلامية بوصفها كنوزاً لها قيمتها المادية، إذ لم يعترف العرب قديماً بالقيمة الجمالية لتلك الفنون ، إلا مؤخراً على يد بعض المستشرقين مثل ( ألكسندر بابا دوبولو، أو ليغ غرابار، وجورج مارسيه وايتنهاوزن وغيرهم……) فكيف تحولت تلك الصنائع إلى معروضات وظيفتها الأصلية من اجل لذة بصرية صرفة.
تصنيفات جائرة للفنون العربية الإسلامية:
يقول الباحث شربل داغر في كتابه ( الفن والشرق، الملكية والمعنى في التداول، النادر والعريق وهو يرصد بدايات الكتابة عن الفنون الإسلامية، يقول:
( ففي مقال أتحقق من أن الكاتب يطلق على الفنانين الأوربيين تسمية ( الفنانين artistes) فيما يطلق على أقرانهم المسلمين تسمية الصناع(artisans) أو الفعلة وهو ما أجد أمثلة عديدة عنه في النصوص عن الفن، تظهر الاستعمال التمييزي للمفردات، ما يرسم شكوكاً حول صوابيتها في التعيين).
ويقول أيضاً ( إن الفن العربي لم يحظ بدرس مناسب له، وبقي خارج تعليمنا الفني). وهو محق في ذلك، إذا نستنتج أن الفن الإسلامي قد أهملت دراسته داخل إطاره الاجتماعي المادي والجمالي. ولم توجد نصوص خاصة بالفنون الإسلامية في عصر إنتاجها، إذ كان الاهتمام أنذاك بالعلوم الشرعية، وهو مانبه إليه أبو حامد الغزالي عندما قال ( إن مقاصد الخلق مجموعة في الدين والدنيا معاً، ولا نظام للدين إلا بنظام الدنيا، ولا ينتظم أمر الدنيا إلا بأعمال الآدميين، وظن من يظن أن العلوم العقلية منافسة للعلوم الشرعية، وأن الجمع بينهما غير ممكن، وهو ظن صادر عن عمى في البصيرة). ونضيف إشارة فريدريك معتوق في كتابه سوسيولوجيا الفن الإسلامي إلى غياب مصطلح الفن عند كتّاب التراث العربي، باعتباره مصطلحاً قائماً بذاته، بل هو يأتي دوماً منتمياً إلى مجال الصنائع والعلوم. وهو ما نلمسه عند ابن خلدون عندما وصف هندسة قصر الحمراء في غرناطة فيقول “ومن صناعة البناء ما يرجع إلى التنميق والتزيين، كما يصنع فوق الحيطان الأشكال المجسمة من الجص يخمر بالماء ثم يرجع جسداً وفيه بقية البلل، فيشكل على التناسب تخريماً بمثاقب الحديد إلى أن يبقى له رونق ورواء، وربما وضع على الحيطان أيضاً قطع الرخام والآجر والخزف، أو الصدف أو السبج( وهو حجر كريم) ، يفصل أجزاء متجانسة مختلفة وتوضع في الكلس على نسب مقدرة عندهم يبدو به الحائط كانه قطع الرياض المنمنمة” لكنه يزيد في موضع آخر “أن علم الصناعة هي ملكة في أمر عملي فكري” وبالنسبة له ، يرتبط الفن بالعمران الحضري.
تراسل بين الحرفة والفن الإسلامي:
إذاً لا يمكن الحديث عن الفنون الإسلامية، دون اعتبار المنظومة الفكرية والفلسفية المنتجة للفضاء الزمني الذي ولدت فيه وتطورت خلاله، لأن لفظة فن أو فنون لم تكن متداولة حينذاك، وإذا وجدت فهي للتعبير عن ميدان فكري أو علمي أو حرفي، وبذلك تقول الباحثة “آن سوريو” كثيراً هم من يفهمون خطأ النصوص القديمة المتنامية لمفهوم الفن، فمثلاً عندما يتحدث مؤلف ما في نص من النصوص عن ملك حامي الفنون، قد يفهم القارئ اليوم أن هذا الملك كان يعمل على ترويج الرسم والنحت والحفر، لكنه قد لا يكون مهتماً في الواقع إلا بصناعة النسيج أو البلور أو الورق” مايدل على اختلاف دلالات مفهوم الفن خارج أطره الزمانية والمكانية، وهي إشكالية الخطاب الجمالي الذي جاء من خارج الإطار الجغرافي والفكري للفنون الإسلامية، بما يحمله من إسقاطات تعالج قضاياها بعيداً عن المجال الذي نشأت فيه وتطورت. وهو مايشير إلى سياق حضور الفنون الإسلامية في فترة معاصرة جعلتها تصبح موضوعاً جمالياً( في بيئاتها الأصلية أو خارج بيئة تلك الفنون كالمتاحف حيث تبدلت وظيفة المنتج إلى وظيفة جمالية فأصبح تحفة للمتعة البصرية)
، نتيجة التصريح الذي قامت به دراسات أوربية استشراقية معاصرة انصفته وأبعدته عن مصاف الحرفة أو المهنة، حيث كان يعتمل اختلاف كبير بين مفهوم الفن والحرفة ، الذي نتج عنه ما يطلق عليه علم الجمال الصناعي أو التصميم(design)، وهو خلاف حصل في عصر النهضة.
إذاً كيف تبدلت القيمة الاعتبارية للفنون الإسلامية من فنون صغرى أو حرف إلى فنون بالمعنى المعاصر للكلمة؟.. ومتى تم ذلك؟..وما هو الخيط الفاصل بين الحرفة والفن وهل تعتبر الزخرفة والخط العربي عناصر إكساء خارجية للمنتوجات الإسلامية بما فيها العمارة أو هي حرفة تتطلب الدربة والحنكة في الصنع؟.. كما نتساءل أيضاً، لماذا جرى الكلام عن الأواني والقناديل والأسلحة في نطاق الفنون وهي مسماة بتسمياتها الوظائفية الاستعمالية؟…
جذور الفن الإسلامي الحِرَفية:
إن الذهاب بعيداً في أصول ونشوء الفنون، يحيلنا إلى الصنائع والحرف التي بتطويرها لغاياتها تحولت غلى فنون تجمل الفضاء العمومي. يقول الباحث شاكر لعيبي ( إن الحرفة اليدوية هي أصل الفن، والفن الإسلامي هو في الحقيقة هذه المنتوجات المعمولة في محترفات ومشاغل الصاغة والخطاطين والنحاسين والخزافين والنجارين) ويقول أيضاً ( نذكر هنا أن تاريخ الفن يبقى إلى أجل غير مسمى وجهة نظر أوربية، عميقة وتستحق التأمل بعمق والدرس الجاد، رغم أنها تنفي من حقل عملها أو لاتورد حضور المعنيين من الشعوب الأخرى التي تدرس فنها).
ما نريد الإشارة إليه أن الجمالية الإسلامية تشكلت ونضجت وازدهرت و كانت رديفة الصناعة ورديفة الحرفة ووجهها الآخر، لأن من يدخل إلى مدينة إسلامية سوف يدرك هذا التمايز الجمالي في الفن الذي ترافق مع تمايز اجتماعي وثقافي عام، وكان سيدرك بصرياً شخصية هذا الفن من خلال رؤية المآذن والقباب والحرف المتنوعة ،وهو استيلاء رمزي على الأرض.
نشير إلى نتيجة هامة وهي أن الفنون الإسلامية هي فنون الجماعة والكل والعموم، لذلك تفوق حدود المكان والزمان.: