بورجوان( جول) عناصر الفن العربي ، طبق نجمي.

التجريد والوزن في الزخرفة العربية الإسلامية

التشكيل النجمي أنموذجاً

تعتبر الزخرفة العربية الإسلامية نظاماً جديداً للتّكوين وتنظيم الفضاءات والمساحات المعمارية، فهي عبارة عن تصور مغاير لمنهجية توارد الشكل وتكوين أسسه الإنشائية التي تؤلف السرد الخاص لمفردات بصرية تمتد إلى لانهائية التصميم.

بدأ الزخرف بالظهور منذ بداية النشأة الأولى للإنسان الأول، عندما خط على الصخور ترانيم طقوسه، التي اتسعت وتلونت بتنوع أماله وأحلامه ومكانته بالنسبة لضخامة الكون، عندما قام بمحاكاة قبة السماء وأضواءها، نجوماً وأقماراً، ولم يكتف بذلك بل نقلها إلى فضاءه الخاص وحيزّه السكني، داخل الكهوف والمغاور، لتتطورفيما بعد تمثلاتها، التي ازدانت بها جدران  المعابد والكنائس والمساجد وقبابها، عبر العصور وأخذت بعداً ميتافيزيقياً وروحانياً، ما يفسر ميل العديد من الدارسين المعاصرين إلى ربط تلك النجوم والأشكال الهندسية بأبعاد روحانية وفلسفية، وهو ما لم تؤيده عديد من الدراسات، حيث لم توجد نصوص تؤكد هذا المعنى المسقط حديثاً على تلك العناصر الزخرفية، لاسيما أن دراسات بعض المستشرقين، تناولت الفنون الإسلامية من ناحية التقنية  والبناء والتأليف فقط.

لم يقتصر استخدام الزخرفة في العمارة، وإنما تم تطبيقها على مختلف العناصر الاستعمالية، الخزفية والمعدنية والزجاجية، كذلك المخطوطات والأقمشة والورق، لتصبح ضرورة جمالية لا يستغنى عنها، لاسيما في الحضارة الإسلامية، حيث انتشرت التشكيلات الزخرفية بأصنافها المتعددة، النباتية والهندسية، نخص بالذكر، الأشكال النجمية التي تسمى ” الأطباق النجمية” متعددة الأشكال والأحجام والأنواع والتلوينات، حسب المساحة والغرض من استعمالها وما يتلاءم مع الزخرفة الهندسية التي انتشرت بغزارة في الفنون الإسلامية وكانت مميزة لها، فقد كتب عنها ” جول بورغوان[1] وهو أول من اهتم بتجميع النجوم الزخرفية الإسلامية وجمعها في ثلاثة كتب، نشرها في نهاية القرن التاسع عشر. باحثاً عن سرّ تلك التكوينات في الفن الإسلامي .يقول بورغوان: “إن رسمًا تخطيطيًا واحداً يمكن ترجمته وتنفيذه وفقًا لأكثر الأساليب تنوعًا […] بشكل غير مبالٍ في نجارة التجميع أو التطبيق ، في المقاطع الكتابية ، النقوش ، في الفسيفساء والتطعيم ، في تطبيقات البرونز الدمشقي ، للتطريز والزخرفة ، إلخ. لعرض بعض هذه التطبيقات الخرسانية ، التي لوحظت في مباني القاهرة أو دمشق. على القماش ذو الرسوم الهندسية المرسومة بقلم الرصاص . يُسَهِّلُ التلوين الجزئي التعرف على الفكرة الأساسية وطريقة تكرارها”. وهو  ما قام به عملياً وذلك برسم مقاطع زخرفية وتلوينها، اكتشف من خلالها أساسيات اللغة التشكيلية المرسومة، كما قام بجرد منهجي للعناصر التشكيلية، معلقاً عليها ببحث نظري، يلفت النظر إلى التكوين الهندسي والتقنيات، دون الإشارة إلى أصل النماذج المرسومة.

يصعب العثور على نصوص قديمة تؤرخ لبداية ظهور النجوم هندسية الشكل أو استعمال الشكل الهندسي في الزخرفة الإسلامية، لكننا على يقين أنها موجودة في الحضارات القديمة مثل الحضارة الفرعونية وجدران بعض القصور البابلية والآشورية، كذلك في الفسيفساء البيزنطية.

-الأطباق النجمية فن إسلامي.

  تعتبر الأطباق النجمية من أهم الزخارف التي امتاز بها الفن الإسلامي على الإطلاق، فهي زخارف تقوم على نظم هندسية وقواعد ثابتة، تطورت عن الدوائر والمربعات، التي أنتجت باقي الأشكال الهندسية  متساوية الأضلاع والزوايا كالمسدس والمثمن والمثلث والمربع والمخمس، عن طريق استخدام المسطرة والفرجار، “استخدمت النجوم الثمانية كثيرًا في أعمال التبليط الإسلامية، وكانت عادة ما تصنع من مربعين، يميل أحدهما 45 درجة على الآخر،  كما استخدمت مضلعات أخرى كالمُخمّسات والمثمنات. كان بالإمكان الجمع بين تلك الأشكال لتشكيل أنماط معقدة عن طريق أشكال متنوعة من التناظر كالانعكاس والتدوير. يمكن اعتبار تلك الأنماط فسيفساء هندسية يمكن أن تمتد إلى ما لا نهاية[2]

  • بدايات التشكيل النجمي في الفن الإسلامي.

نستطيع القول أن الزخرفة الهندسية في الحضارات القديمة قبل الميلاد،  بدأت مثل تخطيطات أولية غير مرئية، لتوضعات الزخارف النباتية، ثم تطورت لتأخذ الشكل الأبرز في التصميم الهندسي الزخرفي، أو لتتشارك البروز مع الزخارف النباتية على مساحة واحدة وفي تصميم زخرفي واحد، لكن كيف أصبح للشكل الهندسي تلك المكانة وكيف تم الاستغناء عن الشكل الزخرفي النباتي والاقتصار على الشكل الهندسي فقط في تزيين العمائر الإسلامية؟..

يقول الباحث أسعد عرابي: “إن استعمال هذه الأشكال بدأ يتكون بُعيد ترجمات العرب لأعمال أقليديس في الهندسة، والأعمال الحسابية اليونانية والهندية. فزاوجوا بين علوم الحساب والهندسة لإنتاج أشكال هندسية جديدة. لكن استعمال الأشكال الهندسية لم يخترعه العرب والمسلمون بل إن استعمال الأشكال الهندسية والنجوم السداسية والثمانية كان عنصراً من عناصر الزخرفة الرومانية، ويمكن لزوار معابد بعلبك الرومانية أن يشاهدوا هذه النجوم على سقوف المعابد، كذلك فإن العديد من الآثار الرومانية في تركيا وإيطاليا يحمل زخارف مشابهة. وهذا ما يدفعنا إلى الحذر في تحميل النجوم معاني أبعد من استعمالها التزيني في كثير من الأحيان.”[3]، هذا يدل أنها موجودة في الحضارات السابقة وأن الفنان المسلم أو الحرفي استلهما تلك الأشكال الزخرفية، ليقع تطبيقها بمهارة.

ويضيف الباحث محي الدين طالو مؤكداً اهتمام العرب بالرياضيات والهندسة فيقول: “وصف ابن سينا فلسفته عن الكون بدوائره السبع( الكواكب) وكل كوكب بقايا مربعاً سحرياً ويتولد عن هذه المربعات عدة تراكيب من التخطيطيات، وقد استعملها الرسامون المسلمون فترة طويلة من الزمن[4]. وتلك كانت بذور وأسس الفكر الجمالي الإسلامي، التي أسس لها التوحيدي والفارابي وابن عربي ، فالفن الإسلامي فن كليّ مطلق.

إذاً من المربع والدائرة والمسطرة والفرجار، تأسس رصيد ضخم من النجوم الزخرفية في الفنون الإسلامية، انتشرت في مصر والشام والعراق في العصر السلجوقي والمملوكي، ثم امتد إلى بلاد المغرب العربي حتى أصبح لها طابع متميز لا يغيب عن التصميمات الزخرفية حتى في عصرنا الحالي. وقد أشار إلى ذلك الباحث عفيف بهنسي بقوله “أما الرقش العربي فهو الرسم الذي يعتمد على أشكال هندسية، لعب الفرجار فيها دوراً هاماً، فقدم تشكيلات ثلاثية ورباعية وخماسية مع مضاعفاتها وحوّر في كل شكل حتى لم يعد لأنواع هذه التشكيلات حدود…………وقد أطلق على هذا النوع من الرقش اسم الخيط”[5].

– أنواع الأشكال النجمية وطرق تصميمها.

وجدت العديد من المؤلفات في الزخرفة الإسلامية، لكن أفضلها كتاب الزخارف الهندسية العربية الذي يحتوي على مائتي نموذج وتصميم، لمؤلفه جول بورجوين، والنسخة

الأصلية منه تحت اسم “Jules Bourgoin- 1838-1908- L’obsession du trait”[6]  يعرض فيه المؤلف دراسات خطية لتكوينات نجمية تتراوح بين البسيط والمعقد.فهو يعتبر راصد لرسومات النجوم في الزخرفة الإسلامية. تبع ذلك صدور مؤلفات عربية وترجمات اعتمدت كلياً على تجربة “بورجوين”، بانتظار تطوير بحث عربي إسلامي في مجال الزخرفة وتشكيلاتها الهندسية.

لم تخفى أسرار بناء وتكوين الطبق النجمي، فالفكرة الأساسية قائمة على تقاطع مربعین بزاویة ٤٥ درجة، بحیث ینتج شكل نجمي بسیط مكون من ثمانیة رؤؤس، تمتد أطوال أضلاع المربع وأقطاره مع أضلاع وأقطار مربع متماثل ومتقاطع معه فتنشأ تلك التشابكات لتظھر وحدة زخرفیة ھندسیة جدیدة، أما حین یكثر عدد المربعات المتقاطعة فیصبح ثلاثة أو أربعة أو خمسة مربعات بزوایا ٤٥ حول المحور الاصلي، یكون الشكل النجمي في ھذه الحالة مكون من اثنتا عشرة أو ستة عشر رأس، ثم تزال الخطوط والمحاور لتشكل نجوم یراھا المشاھد وحدة ھندسیة مستقلة ذات رؤؤس متعددة وبؤرة نجمیة أما “مراحل تصميم طبق نجمي ناشئ من المربع ومحاوره مع تكرار مربع آخر بمحاوره بزاویة ٤٥ حول خطوط المحاور في نفس المركز، فتتكون وحدة الطبق النجمي. وھي الفكرة التصمیمیة الاساسیة التي نتج منھا الاطباق النجمیة المتعددة الرؤؤس والناتجة من زیادة عدد المربعات المتقاطعة بزوایا ٤٥ درجة كما یمكن تكرار الطبق النجمي كاملا أًو تقسیمه إلى أنصاف وأرباع طبقا للعمل ومساحته  كما یعتمد على مخیلة المصمم”[7].


  • الأبعاد الرمزية للأطباق النجمية.

نشأت المقاربات الفلسفية حول المادة والصورة ، منذ أفلاطون وتلامذته، والصورة هي النفس، تبع ذلك فلسفة إسلامية، صاغت مفاهيم جديدة انطلاقاً من  العقيدة الإسلامية وتوجهاتها، أثرت في مسار وتوجه الفنون  الإسلامية وتمظهرها شكلاً ومادة وصورة، منتجة فكراً جمالياً، يبحث عن تبريرات للمنحى المادي التي تتراءى من خلاله فنون، أنتجها الحرفي والفنان المسلم، تقوده لغة تشكيلية خاصة بالفن الإسلامي، الذي مازال يتطلب البحث في مفهومه وصياغته ومفرداته وأسسه المعرفية على مستوى التقنية والنظرية.

مهد كثير من المستشرقين المهتمين بدرس الفنون الإسلامية، بحثاً وتدقيقاً وفلسفة وجمعاً لمقتنياته ولفتوا الانتباه إلى الاعتبارات الكلاسيكية عن الفن الإسلامي وضرورة نقدها والتعمق في ماهيتها، وفق رؤى حديثة تعطي ذاك الفن حقه ومكانته التي جعلت منه فناً أزلياً.

يقول روجيه جارودي: “إن فن الزخرفة العربي، يتطلع أن يكون إعراباً نمطياً عن مفهوم زخرفي، يجمع بآن واحد بين التجريد والوزن وإن معنى الطبيعة الموسيقي ومعنى الهندسة العقلي، يؤلفان دوماً العناصر المقومة في هذا الفن[9] .

يقول هنري فوسيون ” ماأخال شيء يمكنه أن يجرد الحياة من ثوبها الظاهر وينقلها من مضمونها الدفين مثل التشكيلات الهندسية للزخارف الإسلامية[10]. وهذا يعتبر إحدى المقاربات التي طرحت مسألة رمزية التشكيلات النجمية في الفنون الإسلامية، فالمضمون الدفين يتأتى من ذاك الإيقاع الرتيب والمتنوع مثل إشعاعات سماوية تفيض بالنور، وذاك الكمال الفني المطلق، فالشكل الهندسي شكل تامٌّ وكامل.

ورد في كتاب الباحث سعد الدين كليبإن الحسي شرط لوجود المعنوي في الفن[11].وإذا تحدثنا عن الكمال بالنسبة للزخرفة الهندسية والأطباق النجمية خاصة، فإننا نقول استناداً على فلسفة الفارابي،  أن الكمال كمالين، كمالاً داخلياً يرتبط بإيقاع اجتماع الأشكال الزخرفية في تكوين واحد، كما اجتماع الألحان في الطبيعة، وكمالاً يرتبط بعلاقة الشكل بالتكوين العام للزخرفة وذاك النسيج الموزون إيقاعاً بصرياً، كما علاقة الشعر بالموسيقى.

 خلاصة

يطغى التشكيل النجمي على الزخرفة العربية الإسلامية، والذي يسمى ” الأطباق النجمية” وهي تعتمد على علم الهندسة. نشأت وتطورت عبر العصور الإسلامية وكانت معجزة العقلية العلمية العربية الإسلامية،  التي أفرزت فلسفة جمالية أسست لفكر جمالي إسلامي.

المصادر والمراجع

[1]– بورغوان (جول)،( Jules Bourgoin (1838-1908), مهندس معماري فرنسي  ورسام ومنظر للزخرفة، اهتم بورجوان بمظاهر فنون الإسلام أثناء تطوير أسئلة معمقة حول الزخرفة (النظرية والقواعد) والدراسات المعمارية والجرافيك.. تشتت عمله هذا بين المدرسة الوطنية للفنون الجميلة (مجموعة من 988 عملًا رسوميًا باعها الفنان خلال حياته ، تم جردها ووصفها قطعة قطعة على موقع Cat’zArts في Ensba) ، وإدارة المطبوعات والتصوير الفوتوغرافي من مكتبة فرنسا الوطنية (رسومات تمهيدية بالقلم لألواح كتابه Précis de l’art arabe ، باريس ، 1889-1892) ومكتبة المعهد الوطني لتاريخ الفن ، مجموعات جاك دوسيه (المحفوظات 067 ، مجموعة الاستوديو التي حصل عليها جاك مكتبة Doucet بعد وقت قصير من وفاة Jules Bourgoin ، و Autographs 045) جعلت معالجتها أكثر تعقيدًا ، ودعت إلى قراءة متقاطعة للمصادر والوثائق.المصدر من موقع…………… https://agorha.inha.fr/ark:/54721/55

[2] – Geometric Patterns in Islamic Art”، Heilbrunn Timeline of Art History، Metropolitan Museum of Art، مؤرشف من الأصل في 1 مايو 2019، اطلع عليه بتاريخ 1 ديسمبر 2015

ماخوذ من مقال( زخارف هندسية إسلامية) من موقع موسوعة ويكيبيديا. https://ar.wikipedia.org/wiki2

[3] – رحلة الزخرف: مقال من مجلة القافلة الإلكترونية، كتبها كل من الدكتور عبد الله كحيلو، أسعد عرابي، خالد عزب، تاريخ الأخذ من المقال 9.10.2022. الساعة 9.30 دقيقة.

 
 

[4]- طالو (محيي الدين)،  الفنون الزخرفية، ط2 ، الناشر( دار دمشق، سوريا) 1999م، ص55.

[5] – بهنسي( عفيف)، الفن الحديث في البلاد العربية، دار الجنوب، اليونسكو، 1980م،ص 22.

[6] – Jules Bourgoin (1838-1908) L’obsession du trait

Maryse Bideault, Sébastien Chauffour, Estelle Thibault et Mercedes Volait(dir)’ DOI : 10.4000/books.inha.4569, Éditeur : Publications de l’Institut national d’histoire de l’art

Lieu d’édition : Paris . Année d’édition : 2012. Date de mise en ligne : 5 décembre 2017

Collection : Les catalogues d’exposition de l’INHA. ISBN électronique : 9782917902745.

[7] – عفيفي ( نها سيد محمد)، الإبداع التشكيلي في زخارف الأطباق النجمية، International Design Journal Volume 4 Issue 3 Design Articles.. https://www.faa-design.com/files/4/11/4-3-noha.pdf….ص3.

[8] – عفيفي ( نها سيد محمد)، الإبداع التشكيلي في زخارف الأطباق النجمية، International Design Journal Volume 4 Issue 3 Design Articles.. https://www.faa-design.com/files/4/11/4-3-noha.pdf….

[9] – ماهر محمد( سعاد)/ كتاب الفنون الإسلامية، الهيئة المصرية للكتاب، 1 يناير-2005.

[10] – عكاشة ( ثروت)، القيم الجمالية في العمارة الإسلامية.

[11] –  كليب (سعد الدين)، البنية الجمالية في الفكر العربي الإسلامي، دراسات فكرية، منشورات وزارة الثقافة ، الجمهورية العربية السورية، 1997م

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page

X