تسيطر مشاهد عمل الإنسان وحركته الدائبة على جانب كبير من فنون الحضارات السورية القديمة الشرقية ق.م، فهو العنصر الرئيسي والمسيطر في هذه المشاهد المصورة، إذ نجده قد اخذ موقعه في الرسم والنحت والنقوش الجدارية، فهو محور النشاط الفاعل ومحور الحياة، وقد صور بوضعيات مختلفة يحدها إطار الزمان والمكان.
عبر الفنان عن حضور الجسد بطرق عديدة، فجسدة بأسلوب محور ومختزل/ كما رسمه أحياناً مغطى وأحياناص عارٍ أو نصف مغطى، وفي بعض المشاهد رسمه في حالة تراكم، وفي مشاهد اخرى كان مستقلاً، إذ وصلت عمليات التحوير المتكررة إلى تغييب الجسد نهائياً، فلا نرى سوى رأس إنسان والباقي عناصر تتبع لأنواع أخرى، وأيضاً نرى المبالغة في أحد أعضاء الجسم وإبرازه أكثر من غيره، كما في تماثيل عشتار الأم أو الآلهة الذكور، وهذا الجسد في حالة سكون دائم.
يعتبر الجسد في تصاوير ماري وإيبلا وتدمر، عنصراً بانياً للمساحة المصورة، وهو غالباً ما يأتي منفرداً أو ضمن حشود غفيرة تفرضها وتيرة الحدث المصور إذا كان يعبر عن حرب ضروس أو مشهد طقوسي جماعي، وهذه النوعية من المشاهد تفرض أسلوب التكرار اللانهائي، الذي يجعل الأجساد صغيرة جداً قياساً لأدوات الحرب أو المشهد العاملها، وهو يعتبر نقيضاً لمساحة الجسد مع إظهارٍ لأماكن الفعل والحركة، التي يمثلها الفنان بالعضلات الغليظة والكبيرة دليل القوة والعنفوان والاندفاع، أما في المشاهد الظقوسية أو الاحتفالية فإن الجسد يأخذ جلالات أكبر وأشمل، تتعلق بهيئته وترتبيبه ودوره في المشهد المصور، فالملوك يصورون بكامل زينتهم وكذلك الآلهة، أما بقية الأشخاص في المشهد فتختلف هيئاتها باختلاف مراكزها، فقد يكون جسد الشخص مغطى دليل الرفعة والجاه والقرب من الملك أو من الحاشية الملكية، وإذا كان الجسد غير مغطى فهو إما ان يكون أسيراً او عبداً، وهكذا نرى ان الجسد يأخذ دلالات تمليها حركته أو أرديته، وكأنه وسيلة لخلق تمايزات مجتمعية، متماهياً بموقع الهرمية الاجتماعية، مثل إضافة بعض التفاصيل لتأكيد التمايز؟
وبالمقابل نجد أن العبيد والأسرى والقتلى يظهرون في الرسم عراة، وهو عنوان الإهانة والاستكانة. يأخذ العري مظاهر عدة فهو يبدو كرمزاً أسطورياً أو دينياً، كالعري المقدس في الديانات القديمة، الذي يبرز العري كممارسات طقوسية داخل المعبد، فالآلهة الأم عشتار كثيراً ما تم تصويرها عارية تمسك بثدييها في استعراض واضح للأمومة أو الجنس المقدس، وهي كما نعلم موضع تقديس، وتمثل ما يمكن ان نسميه جسداً دينياً فهو موضوع عبادة. ” منذ رسوم الكهوف الأولى والجسد حاضر ولكنه في العصر الزراعي اللاحق حقق حضوراً جنسياً أكثر وضوحاً واكثر تمثلاً( تماثيل الآلهة الأم، أو الأم) وفي عصور الرخاء” عصور الحضارات” اكتسب قداسته المعبدية”، والعري عند عشتار يحمل مدلولات دينية لأنها سيدة الطقوس المقدسة، وهو عري مناسباتي رمزي، وعشتار هذه موجودة في كل الحضارات السورية القديمة مع فروقات شكلية صغيرة، فهي تمثل كل التصورات عن الجسد، إذ تبدو أحياناً مرتدية زياً حربياً، وأحياناً أخرى نجدها عارية من الأعلى مرتدية من الأسفل، أو عارية كلها ماعدا حزام يوضع على الحصر مع زينة كاملة من أقراط وعقود ولباس الرأس أو التيجان المميزة لها، فعشتار الحثية لها تاجان وجناحان، وهي تمثل الجنس والحب والجمال والحرب عند البابليين وهي الآلهة الأم. وقد يأخذ الجسد العاري معنى الطهارة والنقاء في الديانات القديمة ق.م. مثل الجسد عنصراً هاماً في تصوير المشاهد قديماً، فهو العنصر الرئيسي الذي تدور حوله الأحداث، لأن دوره انحصر في تقديم المشهد العام والحركة، كعنصر تشكيلي أخذ طابعاً زخرفياً في طريقة توزيعه على المساحة المصورة، وكون إيقاعات بصرية تشكيلية شتى تحمل إيقاع الحياة ونبضها في تكراره المستمر وتبدل مواصفاته ، عبر أنساق مسطرة في محاولة لتجسيد الفعل وتواصله ، ليأخذ صفة الحدق والمشهد الملحمي.
المراجع.
1- كم نقش( فايز)، إشارات رموز وأساطير، المؤلف لوك بنوا.