نستطيع تحديد بدايات هذا الفن من القرن الثالث الميلادي، إذ لم يعرف بوجود تصاوير تخص الدين المسيحي، لكن تم ذكر بعض الإشارات التي نعتبرها تدخل في صلب الأسطورة أو الرواية الدينية المستحبة، حيث ذكر ت حادثة طبع فيها أثراً لملامح سيدنا المسيح على منديل حريري رمى به احدهم من أجل الشفاء من البرص، لكن التصاوير التي وصلتنا قد انجزت في وقت متقدم ، حيث بدأ إنجازها كوسيلة للتذكير بالإله وعبادته، إلا أن الخوف من عبادة الصور، جعلت الكنيسة تحرم التصوير، بالتالي شنت حملات واسعة على المخطوطات والمنمنمات وحرقت ودمرت الكثير منها وقد أطلق على هذا الإجراء ” حرب الأيقونات”، لكن ابتداءاً من القرن التاسع ميلادي إلى القرن الثالث عشر ميلادي عاد الفن المسيحي إلى الاذدهار، نظراً لانتشار المسيحية ونشاط الكنيسة.
أشهر آثار هذا الفن هو المخطوطات السريانية المكتوبة باللغة السورية والتي نجد غالبيتها موزعة في مكتبات العالم وبعضها موجود في الكنائس السورية الكاثوليكية، تضم هذه المخطوطات، عدداً لابأس به من المنمنمات والأيقونات وصوراً للصليب، تتداخل فيها أساليب التصوير من إغريقي وعربي وبيزنطي في عملية تأثير وتأثر، إذ من الممكن أن نجد بسهولة أسلوبين للتصوير في أيقونة واحدة أو منمنمة، كما نجد أسلوباً عرف بمصر في أقدم إنجيل في القرن السادس ميلادي والآخر أسلوب متأثر بالتقاليد الشرقية الآسيوية السورية، يهتم بالزخارف والأسلوب الواقعي.
التكوين
تمتلك الأيقونات السريانية مقومات تشكيلية وجمالية خاصة، تعود إلى تقاليد محلية في الرسم والتلوين، قام بشرحها وتحليلها ودراستها الباحث” الكسندر بابا دوبولو” Papadopoulo Alexandre,L’islam et l’art muslman”في كتابه عن الفن الإسلامي، لأنه أيضاً درس أصول ونشأة تلك المنمنمات وكيفية بناء المساحة وتوزيع العناصر داخلها، كما شملت الدراسة مجموعة كبيرة من المنمنمات المسيحية العربية والإسلامية العربية، لمعرفة أسس البناء التشكيلي لتلك المنمنمات ، التي اكتشف أنها تخضع للولب بأشكال متعددة ( لوغاريتمي- الامبراطوري- المخروطي- لولب أرخميدس……)
هذا اللولب الذي يمر من العيون والأيدي والأرجل ويأخذ باعتباره توزيع الشخوص فقط، لأنها تحتل الجزء الأكبر من المساحة، بل هي تكون المساحة الكلية للأيقونة. مايدفعنا للسؤال عن مدى ارتباط تلك التكوينات التشكيلية بتصاعدية البناء في الأبراج اللولبية والزيقورات والمعابدن حيث يوجد في قمة المعبد سكن الإله، لقربه من السماء، وهذا الأبراج ذات بناء لولبي متعال يعبر عن اللانهائية والأبدية والروحانية العميقة، كما نجد ذاك التكوين اللولبي في الصليب المعقوف الذي يعبر أيضاً عن الدوران أو اللولب وبالتالي الخلود والاستمرارية.
نجد أيضاً أن خلفية المنمنمة تخضع لتقسيم ثلاثي عمودي له علاقة بالتثليث المقدس أو بالأقانيم الثلاثة بالنسبة للديانة المسيحية، تمثله عناصر معمارية كالأعمدة والأقواس المزركشة والأبواب أو عناصر طبيعية كالضخور والجبال، أو يأخذ التقسيم شكل الصليب فبقسم الفضاء التصويري إلى أربعة اقسام أو يأخذ شكل الدائرة التي تمثل البيضة كرمز للبعث. وأحياناً كثيرة نجد توزيعاً فطرياً لعناصر اللوحة الأيقونية المرسومة، يأخذ أسلوب تداعي الفكرة وتطورها الخيالي في ذهن الرسام المصور.
الألوان.
نستطيع أن نتكلم عن الألوان في المنمنمات والأيقونات من ناحيتين، الأولى تمثل الناحية الدينية التي تحتم وضع ألوان معينة تشير إلى مكانة وهوية الشخصية الدينية المصورة، والناحية الأخرى تشكيلية نصف من خلالها التقنيات المتبعة في مد اللون على المساحة المرسومة خطياً.
– الناحية الدينية:
تصور الأيقونة والمنمنة مواضيع دينيةن أي تصور المقدس الذي يتمثل في صورة سيدنا المسيح والأم العذراء وصور القديسين والحواريين وأشخاص غيرهم، كما تحتوي على صور لحيوانات وطيور وأبنية ومشاهد طبيعية.
لو رصدنا ألوان هذه العناصر في العديد من المنمنمات المتوفرة لدينا لوجدنا أنها تتميز بألوان محددة ، قام بتصنيفها وترتيبها المؤلف “جيل لوروا” في كتابه المخطوطات السريانية في الرسم كما يلي:
يكون الإطار دائماً عبارة عن خطين مزدوجين، اللون الأحمر هو لون الحياة التي تعطي نفسها وغالباً ما تصور مريم العذراء عند الرثوذوكس لابسة رداءاً أزرقاً مع معطف أحمر حسب الظروف وعند الكاثوليك المعطف أزرق مع رداء أو مشد أحمر والمسيح يصور لابساً قميصاً أحمراً وعباءة زرقاء للدلالة على الطبيعة المزدوجة له فالأحمر رمز الألوهية والأزرق رمز البشرية، أما الأبيض والأزرق فهما لونان معبران عن النور والسماء، والبنفسجي رمز التوبة، الأرجواني ملكي كهنوتي (أرجواني كردنالي)، الأصفر لون الشمس والآلهة مرتبطة بالشمس.
– الناحية التشكيلية:
تبدو الأيقونان والمنمنمات ابتداءاً من القرن الثالث عشر الميلادي، قد لونت بكيفية واحدة بتقنية التسطيح والتبسيط وعدم اتباع منظور لوني، فمن الممكن أن نجد اللون الأزرق في مقدمة اللوحة وهو لون بارد ونجد اللون الأحمر في وسط اللوحة ثم الأصفر، مما يؤدي إلى اختفاء مستويات تتالي العناصر على المساحة، لاسيما أن الرسم يصور مشهداً يتسم بالواقعية، أي تظهر المساحات المرسومة متراصفة بجانب بعضها البعض وبالطريقة ذاتها مع إضافة بعض الظلال من لون المساحة ذاتها، فالألوان معزولة داخل الخطوط الراسمة للشكل ولايوجد لها تأثيرات متبادلة فهي الوان إصطلاحية ومستقلة.
– الخط:
يلعب الخط دوراً كبيراً في إظهار العناصر المرسومة وتحديد مساحتها فهو عنصر إحاطة للشكل، يتميز بدور تعبيري مهم خاصة في رسم الأزياء والزخارف في الأقمشة، كذلك في رسم عناصر الطبيعة والمعمار مع وجود الخط الملون والخط الغليظ الذي يبدو مثل مساحة تقريباً لالتزامه بالرمز الديني.
يضاف الخط كعنصر للكتابة وشرح الصورة أو تسمية الأشخاص أو الحدث الديني المرسوم وهو ما يميز كثير من الأيقوات والمنمنمات السريانية القديمة.