الأبعاد الفنية والجمالية لعملية الترميم الآثاري ( هدف غير معلن).

    يطلق على مجموعة العمليات التطبيقية، التي تنجز للمحافظة على الأثر واستمرارية حياته المستقبلية والبحث في قواعده وتقنياته ومواده، فن الترميم أو علم الترميم،وهي عبارات نصادفها في جل الأبحاث التي تخص هذا الميدان  التجريبي، الذي يحتاج إلى فريق فني( تقني)، فهل هو علم أو فن؟..، إذ نرى ميولاً عن الباحثين في الميدان إلى إدراج عنوان علم الترميم، لأن جانب كبير منه يقوم على أسس ومعطيات علمية، ابتداءاً من التوثيق الفوتوغرافي والتاريخي والتقني  والرسم الآثاري وقواعده وأصوله وانتهاءً بإخراج العمل المرمم إلى النور سواء كان لقية أومبنى أثري ضخم، الذي يتطلب فنانين متدربين على أنواع معينة من التصوير والتوثيق، لرؤية ما لن يراه المرمم أثناء مرحلة  التشبع بالمعطيات التي يمنحها الأثر تحضيراً لمعالجته.

 يعتمد الترميم على وسائط معرفية تخص العلوم عامة، مثل علم الكيمياء والفيزياء والهندسة والعلوم التكنولوجية وعلوم المواد وعلم الحشرات………إلخ، مع ذلك لا نغفل الجانب الفني الذي يخص ما قد تلف من زخارف ونقوش وأجزاء مخفية من الأثر وإعادة إنتاجها لتقديم المفهوم العام للعنصر المرمم، مايساعد على استيعاب أبعاده الحضارية بشكل أفضل،  لذلك يجب على المرمم  أن يكون ذو حس وذوق سليم وثقافة فنية وتدريب ملائم يمكنه من التعامل مع مراحل العملية الترميميمه واللقية الأثرية، خاصة المراحل الأخيرة من إخراج العمل من أجل العرض في متحف أو الأثر إلى العموم، لأن الآثار المنقولة الثابته تعتبر حاملاً لقيم فنية وحضارية بالإضافة للقيمة العلمية والتاريخية التي يقدمها الأثر للمتلقي، الذي يستقبل الصورة النهائية للأثر أو القطعة الخزفية.

    إذاً يرتكز علم الترميم على محورين هامين:

  • الجانب العلمي في الصيانة والترميم الآثاري.
  • الجانب الفني في الصيانة والترميم الآثاري.

وقد اعتبر ميثاق فينيسيا 1966م، أن ترميم الآثار من العمليات عالية التخصص، هدفها الكشف عن القيم الجمالية والتاريخية للأثر، ولهذا فإن القاعدة الفنية المتصلة بفهم واستيعاب وتحليل العناصر الفنية هي قاعدة من قواعد علم الآثار، يحتاج إلى الدراية والذوق الفني واكتساب المهارة الفنية بالممارسة الفعلية والتدريب، خاصة إذا كان العمل المقترح للصيانة والترميم لوحة فنية أو تحفة مرصعة.

تعتبر القيمة الجمالية عنصر من عناصر تقييم الأثر، فالترميم يشكل الناحية العملية والتنفيذية للحفاظ على القيمة الجمالية للمعالم أو الأعمال الفنية التابعة لها، وهي قيمة متحولة ومتغيرة حسب حال الأثر النهائية بعد الترميم أو الصيانة.

كما أن مخلفات عملية الترميم الشكلية التي تظهر لنا، تعتبر إضافات جمالية للمشغولات الفنية القديمة و الحديثة، التي تضاف إلى العنصر المرمم أثناء مراحل الترميم/ مثل إضافة القطع الذهبية للخزف بدل الأجزاء المفقودة، أو إضافة بعض الخيوط النحاسية عن طريق ثقب الآنية الخزفية لربط الأجزاء إلى بعضها البعض أو الترقيع بالعجائن الزجاجية وإضافتها للجزء التالف، وهي طرائق تم ابتكارها حسب قول الباحث أحم ابراهيم عطية

( ترميم الأواني المصنوعة من الزجاج بطريقة الثقب أو بالترقيع بالعجائن الزجاجية وإضافتها للجزء التالف وصقلها وتلميعها بحيث تبدو كالجزء الأصلي)[1]. وكلها طرائق للحفاظ على جمالية الأثر ورونقه حتى لو بقيت المادة المضافة ظاهرة، فقد تم استغلال تلك الناحية وعرض اللقية الأثرية مع الإضافات الترميمية لاعتبارها إضافات جمالية أيضاً، لكن ذلك يتبع مدارس وأساليب الترميم ، التي بررت استخدامات معينة دون غيرها وكلها لتعزيز الناحية الجمالية ، مثل عدم التدخل على الأثر وعرضه بحياد تام  أو التدخل على العنصر المرمم وإعادة صياغته، وهذا يعتبر مغالاة على حساب التاريخ.  

     تعتبر أعمال صيانة الآثار من المهمات الصعبة للحفاظ والإبقاء على الأثر أطول فترة ممكنة، حيث تتمثل تلك الصعوبة في  الحفاظ على الرطوبة النسبية سواء كانت مرتفعة أو

منخفضة فهي تؤثر تأثيراً ضاراً على محتويات المتحف حيث أن معظم المتاحف تحتوي على مواد وتحف تكون حساسة للرطوبة وتتغير أبعادها بتغيير الرطوبة النسبية.

حيث أن أكثر المواد العضوية الحساسة للرطوبة هي المواد السيللوزية او البروتينية من أصل نباتي أو حيواني، مثل اللوحات الزيتية على خلفيات خشبية والأعمال الفنية على الورق والمشغولات الخشبية والجلود والبرديات.

إن تغير الرطوية النسبية يغير أبعاد المحفوظات الفنية، بالتالي قد يؤدي إلى تشققات أو تشوهات في الشكل العام والأجزاء وهي تشوهات تؤدي غلى نتيجة تضر بالبناء العام للعنصر المحفوظ وتختفي بعض التفاصيل الفنية المرغوبة من اجل تقييم الهمل الفني والجمالي للأثر.

يعلن البعد الفني والجمالي عن نفسه في كل مرحلة من مراحل الترميم، وكذلك الصيانة والحفظ، اللذان ترافقهما قوانين حماية الآثار الضابطة لهما في مقررات مؤتمر البندقية لحماية وصيانة التراث والمواقع التاريخية، ومن هذه المقررات المادة رقم (3) التي جاء فيها: (إن الغرض من صيانة وترميم المباني التاريخية هو حمايتها باعتبارها أعمالاً فنية وشواهد تاريخية).

  • المادة رقم 9: إن عملية الترميم عملية متخصصة بدرجة عالية جداً هدفها حماية وكشف القيمة الجمالية والحضارية والتاريخية للأثر ويستند على احترام المادة الأصلية والوثائق الحقيقية وأنها يجب أن تتوقف في اللحظة التي يبدأ فيها الحدس، وفي هذه الحال يجب أن يكون  أي عمل إضافي لابد من القيام به مميزاً عن التكوين  المعماري ويجب أن يحمل طابعاً معاصراً.
  • المادة رقم 11: إن المساهمات السليمة لكل الفترات في مبنى تاريخي معين يجب أن تحترم طالما أن وحدة الأسلوب هدف الترميم.
  • القانون رقم 12: عن وضع أجزاء في محل الأجزاء المفقودة، يجب أن تدمج بشكل منسجم مع الكل ولكن يجب في الوقت ذاته تمييزها عن الأجزاء الأصلية لكي لا يؤدي الترميم إلى تزييف الشواهد الفنية والتاريخية.

  أخيراً قد لا تكون مهمة الآثاري أو المرمم، بحثاً عن الجماليات كهدف معلن، بقدر ما يهمه إنقاذ المنجز الفني من الضياع والتلف، لأن غالب العاملين في مجال الترميم يصرحون بعدم وجود أو سعي نحو الهدف الجمالي إلى حد نفي هذا الهدف وعدم إعطاءه الأهمية الكافية، لكنه مع ذلك يقدم المادة التي سوف يعتمدها الناقد الفني أو المؤرخ والجمالي من خلال رصده لحياة الشكل واستمراريته عبر الإنتاج الفني لفترات طويلة زمنياً، تسجل انتقاله وتطوره إلى رمز أو إشارة أو علامة لها مدلولها داخل العمل الفني، الذي يتبع معتقدات حضارية أو دينية معينة.

 

 

[1] – عطية احمد ابراهيم، القاضي م عبد الحميد: حماية وصيانة التراث الأثري،ط1، دار الفجر للنشر والتوزيع 2003م، ص12.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page

X