تعد العلامة وعلاقتها بالسياق والخطاب، من المواضيع الأساسية في الدراسات المتخصصة في فهم الرموز والرمزيات التي تحملها اللغة والثقافة. كما أن تحليل العلامة أو الرمز سوف يؤدي إلى خطاب تتحدد حيثياته تبعاً لسياق العلامة الزمني” نقصد التاريخي ، السياسي، الديني، السوسيولوجي والبسكولوجي، حيث لا نستطيع النظر إلى العلامة أو الرمز بمعزل عن سبب بروزه كعلامة فارقة أيقونية ” بالمعنى الحديث للكلمة” والتي تحيل إلى مقاصد معينة قد نجدها ضمن كيانات اجتماعية، والسياق عموماً يساعد في فهم كيفية ترجمة وفك أسرار العلامات والرموز، وفهم ماهيتها وفهم كيفية تأثيرها وتوظيفها ، وكيفية استخدامها للتعبير عن المفاهيم والأفكار، الذي يؤدي إلى رسم ملامح خطاب جمعي يتم تقبله في إطار اجتماعي معين أو رفضه، وهذا الرفض أو القبول يفسر ديمومة الرمز وقوة تأثيره.
– تمثلات الرمز:
يتظاهر الرمز في تمثلات عدة محسوسة أو مبطنة، فقد يكون صورة أو كلمة أو مثل شعبي أو بيت شعر أو راية أو ممارسة طقوسية أو شعائرية معينة، يختزل ويكثف المعنى ويؤدي الرسالة وما يترتب عليها من تبعات سلوكية.
يقول الجاحظ في كتابه الحيوان ” جُعل البيان على أربعة أقسام: لفظ، وخط، وعقد، وإشارة.فالأجسام الخرس صامتة، ناطقة من جهة الدلالة”.. وهذا النطق الذي يسنده إلى الأجسام الخرس، يحمل مضامين بالغة الأهمية ،تحث على البحث في ماوراء الأثر المادي الذي نتواصل معه بصرياً أي ماوراء الرمز.
– الحضارة الإسلامية والرموز
تفيض الحضارة الإسلامية بالعلامات والإشارات والرموز، كما تفيض بروحانيات تجردت عن الواقع المحسوس، ساعد في ذلك تمرس العرب المسلمين بعلوم شتى، استعاروا مفرداتها من عناصر الطبيعة وظواهرها، فحولوها إلى علامات ورموز اتفقوا في تصويرها وتعيينها وتسميتها كي تكون دليلاً ومرشداً لهم.
لعل أكثر الرموز تميزاً وتداولاً في الحضارة الإسلامية هما الهلال والنجمة، لارتباطهما بالتراث الإسلامي على مدى قرون خلت، فما هو مدلول استخدام الهلال والنجمة عند العرب المسلمين؟… وكيف تم استخدامهما وماهو سياق ذاك الاستخدام؟…وهل تغير الخطاب الناتج عن تناولهما أم بقي ذاته على مر العصور إلى وقتنا الحاضر؟…
العلامة:
تحتاج العلامة إلى سياق ذو إطار معين كي تنتج خطاباً ما، ضمن صيرورات زمكانيةفالعلامة وحدها دال اعتباطي، “ترادف لفظة إشارة”[1] علاقتها ضعيفة بين شكلها والشيء الذي تعبر عنه، لكن كل علامة مبتكرة أو متبناة تصبح رمزاً عندما تتأكد زمنياً والعلامة تسبق الرمز في التشكل وهي أصله وتتطابق معه فالرمز دال ثابت ومؤكد.
نسمي ذاك التحول من العلامة إلى الرمز( الأيقنة) وهي عملية تحويل الأفكار والمفاهيم إلى أيقونات” رموز”، حيث يتم اختزال المعنى أو المحتوى في صورة رمزية بسيطة والهدف من الأيقنة هو تسهيل الفهم والاستيعاب أو التواصل باستخدام رموز بصرية تشير إلى مفهوم أكبر وأكثر تعقيداً. وهو هدف قديم حديث.
إذاً… ماعلاقة هذا الكلام بالهلال والنجمة، اللذان ترتسم صورتهما بأشكال عدة وعلى محامل عدة في الحضارة الإسلامية وفي الحضارات المجاورة والبعيدة، تاريخياً وزمنياً، فإذا أخذنا معنى القمر من المعاجم فالموضوع قد يأخذ أبعاداً أخرى، تم تقصيها وتسجيل معانيها بإطناب ، فعندما يظهر القمر بوقت ما وزمن ما فهو دليل على أمر سوف يحدث.
إذاً: معنى القمر حسب لسان العرب لابن منظور” فهو الأقمر الأبيض الشديد البياض، والأنثى قمراء ويقال للسحاب الذي يشتد ضوئه لكثرة ماءه: سحاب أقمر، وليلة قمراء،مضيئة وأقمرنا أي طلع علينا القمر. وهذا جزء يسير من معاني القمر، يطرحه معجم لسان العرب”[2].
أما الهلال: فيسمى القمر لليلتين من أول الشهر هلالاً، ولليلتين من آخره ليلة ست وعشرين وليلة سبع وعشرين هلالاً ويسمى مابين ذلك قمراً.
ويقول الجوهري القمر بعد ثلاث إلى آخر الشهر يسمى قمراً لبياضه، وفي كلام بعضهم قُمَيْرٌ وهو تصغير والقمران الشمس والقمر، والقمراء ضوء القمر وليلة مقمرة وليلة قمراء، مقمرة والقمرية ضرب من الحمام.
نجد أيضاً أن اسم “القمر” مشتق من اللغة العربية، وهو يشير إلى الجِرم السماوي الذي يدور حول الأرض. تسمية القمر بهذا الاسم تعود إلى الجذر اللغوي “قَمَرَ”، والذي يعني الضوء أو الإشراق، مما يعكس طبيعة القمر كمصدر للنور ليلاً، حيث يعكس ضوء الشمس ويضيء السماء. كما يحيل اسمه على إمكانيات عدة للتمثل في أشكال وهيئات وأحوال وعلى التحول وعدم الاستقرار على شكل واحد، فهو متبدل ومتحول يمتد مجال تأثيره بعيداً جداً على ما جاوره وما يحيط به رغم أنه تابع لمجال الكرة الأرضية، فهو قمرها.
-سياقات الهلال والنجمة
تعددت سياقات الهلال والنجمة في الحضارة الإسلامية وتجلت كرموز كالآتي:
أولاً:السياق والخطاب في القرآن الكريم .
ثانياً:الهلال والنجمة في السياق السياسي.
ثالثاً:السياق في مجال الأدب.
رابعاً : النجمة والهلال في الفن.
خامساً:تمثلات النجمة والهلال في الطب.
سادساً: الهلال والنجمة معاً في سياق استخراج الكنوز.
سابعاً:الهلال والنجمة في علم الفراسة والتنجيم.
ثامناً: السياق الرياضي
تاسعاً: القمر في الفلاحة.
عاشرا: الهلال والنجمة في العملة أو النقود.
الحادي عشر: النجوم في الأمثلة الشعبية.
الثاني عشر:ظهور الهلال والنجمة في السياق العلمي.
الثالث عشر: تصورات المخيال الشعبي.
المراجع:
[1] – المراق( عبد الكريم)، معجم الفلسفة، (المركز القومي البيداغوجي، نشرة أولى، 1977م).ص 117.
[2] – ابن منظور ، معجم لسان العرب، الجزء 12، (دار المعارف، لبنان، 2006م)، ص 188.