الفنون الإسلامية في الأندلس
تعتبر آثار المسلمين في الأندلس نموذجاً يتسم بالفرادة والندرة، لما اعتراها من إشكاليات تتعلق بالمصدر والمرجعية والمكان الجغرافي والحظوة الدينية، هذا النموذج الذي يطرح رؤية مغايرة لمتن الفنون الإسلامية على مر العصور، كونه يختزل روحانية عميقة شاملة لمشرق العالم الإسلامي وغربه، تفاعلت داخل فضاء جغرافي واحد هو شبه الجزيرة الإيبيرية، خلال قرون ثمانية، وتظاهرت تعبيراً فنياً يرتقي ويسمو نحو المجرد، وكونت أسلوباً فنياً خاصاً في أدواته وطرق إنتاجه، تأكيداً وتأسيساً لهوية فنية محلية، فظهر ما يسمى بالفن الأندلسي أو ما يسمى بالفن الإسباني الإسلامي أو الإسباني العربي، نظراً للقيود الدينية في المذهب الإسلامي الذي يكره التجسيد، الذي أثر على الرسم والنحت فاتجه نحو الاختزال والتحوير والتبسيط في صياغة عناصره التشكيلية.
تحتضن إسبانيا مجموعة لا بأس بها من شواهد الفن الإسلامي الثابتة والمنقولة، نذكر منها فن العمارة الزاخر بالنقوش والزخارف والآيات القرآنية، كذلك فنون الخط العربي التي أخذت طابعاً محلياً يتسم بتماذج فريد من نوعه، أنتج ما يسمى الخط الأندلسي.
نجد أيضاً فنون الجص والخشب والعاج والزليج التي تعتمد تقنية الحفر والنحت، وفن التصوير الذي طغى على جل المنتجات الفنية، كالتصوير على الخزف والتصوير المرفق بالنصوص المكتوبة داخل المخطوطات الأدبية والعلمية، المتمثل في المنمنمات الإسلامية، وتصوير مشاهد ضخمة على جدران القصور الأندلسية بأسلوب محور، نفذ بتقنيات متعددة كالرسم والتلوين والحفر والنقش او تقنية الفسيفساء، نجد أيضاً فن التذهيب الذي لايفارق الفنون الإسلامية في جميع عصورها.
ارتبط الفن الإسلامي بنوعين من الأساليب الفنية المتفردة، وهما الفن في “العصور الوسطى”[1]، وفن المستعربين[2]، ( الفن الإسلامي أو المهاجرين من الأندلس إلى الأقاليم المسيحية في الشمال، المتأثرين بالفن ماقبل الروماني، أو الفن المغربي،( العرب تحت الحكم المسيحي)، وقد تخصص أغلبهم في الحرف اليدوية من عمال بناء ونحاتين وجصاصين والذي تميز بين الأنمطة المختلطة.
يوجد لهذا الفن أربعة عناصر رئيسية هي : الخط العربي، الزخارف النباتية، الأبعاد الهندسية ثم الأشكال والأنماط الجمالية، التي تم تناولها من خلال الطرز الفنية التي تمثلها أو التي أفرزتها الفترة التاريخية التي أنتجت فيها، وهذه الطرز على التوالي:
الطراز الأموي، الطراز العباسي، الطراز الأندلسي المغربي ” إسبانو موريسك”، طراز المدجنين.
- الطراز الأموي:
ازدهر هذا الطراز الذي انتقل من الشام إلى المغرب العربي، واستمر حتى القرن الحادي عشر، وقد اعتبره بعض الباحثين في تاريخ الفن، عبارة عن مرحلة انتقال من الفن البيزنطي إلى طراز الفن العباسي.
تتميز الآثار التصويرية التي عثر عليها إلى الآن بوجود الرقش أو تقوم على الصور المشبهة، أما الرقش فهو التشكيلات اللينة التي زخرفت بها الأبنية كزخرفات المسجد الأموي وهي تقوم على مبادئ فلسفية دينية. “ويتمثل التصوير التشبيهي في صور الطبيعة والأنهار والأشجار والبيوت كما في المسجد الأموي وهي صور فسيفسائية أنجزها فنانون محليون مع الاستعانة بخبرات بيزنطية اعتمدت على أسلوب الفن العربي القائم على التكرار وإملاء الفراغ والرمز”[3].
- الطراز العباسي:
يبدو هذا الطراز واضحاً من خلال العمائر التي تركها، “إذ تبدو أكثر بذخاً وتكلفاً من حيث الزخرفة والألوان، وهو متأثر بالطابع الرافدي، الذي تبلور بالأسلوب الفارسي”[4]، انتشر الأرابيسك أو الرقش في العصر العباسي كثيراً، فهو يقوم على خطوط مستقيمة ومساحات هندسية أو يقوم على انحناءات، وكان للعباسيين طريقة خاصة في حفر الخشب ونقشه وكذلك في تلوين الجص، كما ازدهرت الفنون التطبيقية.
- الطراز الأندلسي المغربي: إسبانو موريسك Hespano Moresque
وهو مزيج من فن المغاربة والأندلسيين، ويشمل الفنون الإسلامية التي ازدهرت في الأندلس ومراكش والجزائر وتونس، بين(479-898ه) أو(1086-1492م)، لأن ضم المرابطين للأندلس، سهل على الفن الإسلامي أن ينفذ إلى المغرب العربي وأن يؤثر فيه، كما أن اتساع فتوحات الموحدين قد أخضع الفن الأندلسي المغربي لمؤثرات جديدة أتته من القيروان وقلعة بين حماد، التي نلحظ فيها التأثيرات العراقية والمصرية، وقد دام الطراز الأندلسي المغربي حتى سقوط بني الأحمر في غرناطة وذهاب ملك المسلمين في الأندلس.
- طراز المدجنين:
يأتي “الفن المدجن”[5] في فترة لاحقة لخروج العرب من الأندلس، وهو ماخلفه المسلمون الذين بقوا تحت حكم النصارى في المقاطعات الأندلسية، التي انتزعت من أيدي المسلمين قبل ذهاب الدولة الإسلامية نهائياً بسقوط غرناطة بيد النصارى.يجمع الفن المدجن تأثيرات من الفن القوطي والفن المسيحي وتأثيرات فنية إسلامية، وقد نشأ هذا الطراز في طليطلة وانتشر في كافة أنحاء إسبانيا، نراه في زخرفة الكنائس والدور وغيرها، وقد استمر حتى بعد خروج المسلمين من الأندلس.
المراجع:
[1] -الفن في القرون الوسطى: وهو فن الجدرايات، أو الرسوم التي تزين بها جدران الكنائس الداخلية أو الرسوم التي كانت تصنع من قطع الفسيفساء وكذلك فن المخطوطات وهي الرسوم التوضيحية، التي ترسم كترجمة تشكيلية لما هو مكتوب في الإنجيل أو الشروح التي يقوم بها القديسون عن الكتاب المقدس، أما فن اللوحة بالمفهوم الحديث فلم يكن له وجود، حيث ظهرت اللوحة كرسم على القماش في عصر النهضة.
أهم السمات التي تنسب إلى الفن في العصور الوسطى:
- جمود الأشكال وابتعادها عن حيوية الحياة لأن الفنان عمد إلى تجريد الشكل من مظاهره الحسية الدنيوية مثل العمق والمنظور وتدرجات اللون والضفات الفردية لكي يقدم صورة شمولية لأن الفن في هذه الفترة أقرب إلى الفكرة منه إلى الإنسان.
- الوحجة الشكلية في تصوير الشخصيات إضافة إلى اسلوب التسطيح وتصويرها بطريقة المواجهة,
- استعمال الألوان البراقة في التصوير وخاصة في أعمال الإيحاء فإن المنظور في عالم علوي روحاني لامادي، وجذب نظر المشاهد للإعجاب بهذا المنظر، فإعجاب العين بالصورة يدفع إلى التأمل والاستغراق ثم إلى الاندماج الروحيويهذا تحقق اللوحة التأثير المطلوب.
- النظرة إلى الحياة والعالم مبنية على أسس ميتافيزيقية فالطبيعة أو الواقع الذي كان مصدر الجمال، أصبحت معابة ومنكرة والعالم المادي الأرضي مركز الشر، لذلك يتم صنع صيغ خلفية للوحة باللون الذهبي على اللامكان واللاتعيين في المكان الذي يوجد به المسيح والقديسون.
- الاهتمام بالتجسيم واستغلال الأسلوب الزخرفي في الخطوط والألوان، حيث الابتعاد عن واقعية الفن الكلاسيكي فالفكرة أهم من الشكل الخارجي واستخدام اللغة الرمزية في تصوير الشخصيات المقدسة.
- المنظور المقلوب في خاصية الفن( تشويه الحجم الطبيعي وتعديله)، تبعاً للأهمية الروحية للشخصيات فالشخصية الأساسية رغم بعدها تظهر بمقياس أكبر من الشخصيات الثانوية، إضافة إلى المعالجة المختصرة للتفاصيل بسبب اتباع طريقة نسب المرئيات حسب التقدير الذهني أو قيمة المعنية ولن يتم إعتماد الإدراك البصري الذي اعتمد في عصر النهضة.
- الجمال هو جمال الروح اما الجيم كشيء مادي قبيح ولذا فدلالة العمل الفني لم تكن جمالية الفن يصنع لذاته، بل إن الفن له وظيفة إرشادية اجتماعية ودينية، والفن أداة التعلم والتثقيف الروحي، فالفن لايصنع لمتعة المعين بل التأثير على انطباعات الناس الحسية وبالتالي الفكرية.
المصدر: شبكة جامعة بابل، موقع الكلية، نظام التعليم الإلكترونين مدخل إلى محاضرة الأستاذ بشرى سلمان كاظم الجبوري، 5/12/2011، كلية الفنون الجميلة، قسم التربية الفنية المرحلة 3.
[2] – فن المستعربين: بالإسبانية mozàrabe: هم المسيحيون الذين عاصروا وسكنوا تحت الحكم الإسلامي في الأندلس، أطلق عليهم المستعربون كونهم تبنوا تقاليد العرب ولغتهم واهتموا بالحرف العربي وكانوا يجيدون الشعر والنثر العربي وينظمون القصائد ويتفاخرون بإتقانهم للغة العربية، غالبية المستعربون كانوا أحفاد الإسبان من القوط واللاتين المسيحيون وكانت اللغة الشائعة والأم في المقام الأول، تحت الحكم الإسلامي اللغة العربية، وكانوا يتكلمون إلى جانبها اللغة المستعربة وهي لغة رومانسية أيبيرية ممزوجة بالعربية الأندلسية، سكن المستعربون في كافة انحاء الأندلس، إلا ان أبرز مدن إقامتهم كانت طليطلة، قرطبة، سرقسطة، وإشبيلية.
المصدر: شحلان أحمد، مكونات المجتمع الأندلسي ومكانة أهل اللغة فيه، التاريخ العربي، 22يوليو2011، الموسوعة البريطانية، لغة المستعربون.
[3] – بهنسي عفيف، تاريخ الفن والعمارة، ص327- دار النشر المطبعة الجديدة ، دمشق عام1871م.
[4] – بهنسي عفيف، تاريخ الفن والعمارة ص343 .[5] – المدجنين: طبقاً لمجمع اللغة الإسبانية، انطبق هذا المصطلح على أولئك المسلمين الذين لم يبدلوا دينهم وخضعوا للقوانين النصرانية، ويفهم من ذلك أنهم العرب المسلمين الذين فضلوا البقاء في الأراضي الأندلسية في ظل السيطرة النصرانية، محتفظين بعقائدهم ولغتهم وتقاليدهم. تأليف أ.د. سري محمد عبد اللطيف،قسم اللغة الإسبانية بجامعة الأزهر، وحسب لسان العرب، حرف الدال، المداجنة، حسن المخالطة، قال: وقد تقع على غير الشاء من كل ما يألف البيوت من الطير وغيرها.
مقالة مريم التيجي، جريدة الشرق الأوسط، الخميس 17رمضان 2000 العدد 8052 عنوان المقال المدينة المغربية القديمة.