تحولات صورة اليد في الفن التشكيلي
أخذت اليد مظاهر عدة في الفن التشكيلي، فهي عنصر يمتد إلى العصور الأولى للبشرية،نراها على جدران الكهوف، مطبوعة بألوان ترابية أو حمراء، نتجت عن دماء القرابين، ضمن طقوس سحرية أو دينية، لدرء الشر القادم من المجهول. امتدت تلك العادة الطقوسية إلى عصرنا الحالي في بعض المناطق المأهولة، حيث لم يتغير الطقس أو المغزى من صورة اليد، التي أخذت أشكالاً عدة ذات رمزية، حتى أصبحت حلية تلبسها النساء أو رسماً على قماش أو ستائر، فاليد هي اليد رغم تعدد التأويلات والإحالات الرمزية في مجالات متنوعة كالفلسفة والاقتصاد علم الاجتماع والدين والفن التشكيلي، الذي لم يهمل هذا العضو الفعال في الجسم البشري، كما تناولته المعاجم على أنواعها.
جاء في معجم المصطلحات الجمالية لواضعه أيتيان سوريو “ اليد هي جزء ممتد من الجسد، تتصل به وتتألف من كف وخمسة أصابع، وهي عنوان المهارة البشرية، والقدرة على اللمس، والاستيلاء والكسر والخدش والحرق وتكوين الأشياء، وفي الحالة الطبيعية هناك ارتباط شاعري بالعالم.
وضع إيتيان سوريو عدة تصنيفات لليد، فاعتبرها اليد أداة أو اليد كمرجع أو اليد كرمز.
تكون اليد أداة في حالة التحكم بها لأداء عمل مثل لمسة يد الفنان على القماش، أو قيام الحرفي بالصناعات التقليدية، أو استخدام الرياضي ليديه.
أما في حال اعتبارها رمزاً، فقد تدل على اليد الإلهية، التي تتصف بالحماية والعدل والمقدرة الألهية، وتعتبر أصالة وأسلوب عمل وتأخذ معنى أسلوب شخصي، كأن نتعرف على أسلوب كاتب معين أو العامل وذلك يتبع نوعية العمل. يدل رمز اليد في الديانة المسيحية على إمكانية القيام بمعجزة شفاء المرضى وأداء العجائب، أما في الديانة اليهودية” كف مريم” فهو عبارة عن همسة لدرء قوى الشر، وينطق الرقم 5 بالعبرية “هامش” أي خامس، والحرف الخامس من الأبجدية العبرية هو” Hey ” أحد أسماء الله المقدسة، ورمز للحواس الخمس للشخص في محاولة ثناء الله، ويسمى بكف مريم تيمناً بأخت هارون وموسى، حيث تمثل أصابع اليد الخمسة أسفار موسى والكتب الخمسة للتوراة وأسفار التكوين ويعتقد بعض الناس من اليهود أن أصابع اليد الخمس تمثل الطرق للتسبيح لله أثناء الصلاة”[1] كذلك نراها عند المسلمون في وضعية الصلاة، فتكون مشبوكة أو مرفوعة، كما نجد يد فاطمة “الخمسة” التي تدل على الصبر والوفرة والإخلاص والإخصاب وتعتقد الفتيات اللواتي يلبسن الخمسة أن فاطمة ستمنحهن هذه الصفات وتمثل أيضاً أركان الإسلام الخمسة، وفي الفن البيزنطي نشاهدها من خلال تصاوير المسيح الذي يمسك الكتاب ويرفع يده اليمنى في إيماءة لتعاليم تدعو إلى الحياة الأبدية. كذلك نجد اعتبارات أخرى في الحضارات القديمة قبل الميلاد، إذ تمثل اليد في الحضارة المصرية مجال الفعل والحركة وآلية عمل المشهد المصور، لنجد فرعون يضع يده بشكل متصالب على صدره ممسكاً صولجان الحق، أما البابليين والأشوريين فاليدين متشابكتين على الخصر، مضمومتان عند تماثيل المتعبدين. واليد اليمنى مفتوحة عن الآلهة عشتار المسؤولة عن تغيير الفصول.
تنوع حضور اليد في الحضارات القديمة
يستمر الاعتقاد برموز اليد الخفية في تمثلاتها الفنية المتنوعة، لكنها لم ترسم وحدها بعدياً عن الجسد وتعبيراته وإنما رسمت ضمن مشهد تمثيلي، متعلقة بالجسد، ليأخذ رسم اليد مساراً آخر في عصر النهضة عند “ليوناردو دافنشي” 1452-1519 ، الذي استخدم أسلوباً متميزاً في التكوين أكثر واقعية يوحي بالعمق والشفافية، بقدرته على تحويل الأصباغ من فن التصوير الزيتي إلى مادة حية بفضل استخدامه البارع للضوء، يظهر ذلك بدراسته لليد، حيث استخدم درايته بعلم التشريح والمنظور، لتظهر رسوماته دقيقة وثرية وحقيقية بالآن ذاته.
رسم ميكيل أنجلو اليد في لوحته الشهيرة “خلق آدم وحواء” على سقف كنيسة السيستاين في روما، وقد أخذت وسط مساحة اللوحة، لإبراز اللمسة الإلهية، التي رسمها بدقة متناهية تشير إلى إمكانياته في فن النحت، التي تأثر بها في رسوماته. اما ألبرخت دورر فقد بالغ في رسم تفاصيل اليد حتى لتبدو حقيقية، عندما صور العروق والأظافر وتفاصيل البشرة وانثناءاتها. وفي مجال النحت كان “رودان” و”رنوار” رائدين في تمثيل اليدين على خامة الرخام وفي تطويع الصلابة إلى ليونة ومرونة يد الإنسان ورمزيتها. بينما يلجأ “مارك شاغال إلى طباعة اليد في محاكاة لفن الكهوف والمغاور القديم.
لم تبتعد السريالية كثيراً عن تمثيل الإنسان في تفاعله مع محيطه، بل تجاوزت ذلك إلى تصوير حالات غير واقعية، تعتمد البعد عن الحقيقة وإطلاق الأفكار المكبوتة والتصورات الخيالية وسيطرة الأحلام، فظهرت اليد في أكثر من عمل للفنان التشكيلي “سلفادور دالي” قابلة للتأويل، حسسب حضورها في المشهد الماورائي، فقد تتحول اللوحة إلى يد فقط.
تبع ذلك تيارات اتجاهات الفنون المعاصرة مثل البيومورفيزم Biomorphisme، والفنون الرقمية التي جعلت من اليد أداة تشكيل.
تظهر عند “جان فيليب بيو” تشوهات اليد العاملة، حيث تلخص حياة الإنسان كاملة، فقد نجد أصابع مجروحة أو مقطوعة أو مكسورة، فاليد عبارة عن مفهوم، طرحت تفاصيله ومحتوياته من خلال يد عاملة.
هناك أيضاً اليد في الفن الرقمي، واليد الرقمية وتصورات البوب آرت عن اليد، كذلك اعتبار اليد حاملاً تصويرياً، يقوم الفنان ” دانييل جويدو” برسم وجوه حيوانات على اليد، ساعياً لإيهام المتلقي بالصورة موضوع الرسم، كذلك نلمس أثر اليد على العنصر المنحوت.
تلك التنوعات لليد عبر تاريخ الفن لم تكتفي بالعديد من التصورات، إذ ما زالت اليد عنصر تواصل وتفاعل مع العالم الخارجي ومصدر فعل وطاقة فنيين، فقد أصبحت مفهوماً أكثر منها أداة للفعل والخلق الفني، ففيها تختزن مشاعر العالم المخفية خلف صورة يد.
[1] – المرجع موقع حقائق وأسرار قديمة https://m.facebook.com/nezarkaisr/posts/3099105030200006/ 4 أكتوبر 2020 الساعة 7 وخمس دقائق