التمثيل الرقمي للتراث المادي

( المتاحف الافتراضية)

       يأخذ التمثيل الرقمي للمخزون التراثي المادي أشكالاً عدة، نذكر منها المتاحف الافتراضية ثلاثية الأبعاد، لما لها من دور في تثمين هوية المكان وثقافته ،  وإعادة إنتاجها والمساعدة في انتشارها محلياً وعالمياً، إذ يعتبر توثيق وحفظ الآثار رقمياً واحداً من مكتسبات الثورة المعلوماتية والاتصالية.

   يقول (روبارت سميثون) إن المتاحف مقابر للفنون، ولكن البدائل الرقمية تمكنت  من إعطاء الحياة للتراث المادي الثابت والمنقول،(تحف ، مخطوطات، أواني خزفية، تماثيل، ولوحات جدارية…….). بصفتها وسائل توثيقية دقيقة جداً، ووسائل دعائية مجانية، يسهل الوصول إليها وتصفحها والاستفادة منها علمياً وتربوياً واقتصادياً .

     تتعدد وسائط تخزين المعلومات والصور عبر الشبكة العنكبوتية، نذكر منها التقنيات ثلاثية الأبعادD3، وتقنية الهولوجرام، وتقنية البعد السابعD7 . النظارات ثلاثية الأبعاد.

    استخدمت الصورة ثلاثية الأبعاد في أنتاج متاحف افتراضية تحاكي الواقع، ذات جودة عالية، ويستطيع الباحث أن يتعامل معها بمجرد الدخول على الأنترنيت،  أما تقنية الهولوجرام  أو الذواكرالهولوغرافية بالإنجليزية: Holography  تمتلك خاصية فريدة تمكن من إعادة تكوين صورة الأجسام بأبعادها الثلاثة في الفضاء وتتم باستخدام شعاع الليزر.ويشيع استخدامها في أفلام الخيال العلمي.

ملاحظة:( استخدمت هذه التقنية وقتياً وبقلة  في بعض البلدان العربية، نظراً لكلفتها، لتغطية تظاهرة ثقافية).

  • تقنية D7، تستخدم في السينما وتعطي إحساساً واقعياً بالروائح والمشاهد، وتجعلك تحس بقطرات الماء تتناثر فوق وجهك.

     -النظارات ثلاثية الأبعاد “تعمل هذه النظارات بناء على مفهوم التصوير المجسم. نرتدي النظارات ثلاثية الأبعاد للحصول على صور مختلفة للعينين، فالشاشة تعرض صورتين في الواقع تتداخل فيما بينها لتُعرض أمامك كاملة. وهي تساعد على رؤية العناصر المعروضة ثلاثية الأبعاد”[1].(يمكن من خلال هذه التقنيية الدخول للمتحف الافتراضي ورؤية المعروضات التراثية بدقة أكثر).

  تتميز التقنيات الثلاث بقدرتها على نقل الواقع، أو تخزينه ، والتجول داخله.

   رفض الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز[2].في كتابه «الاختلاف والتكرار»،   “أن يضع الافتراضي نقيضاً/ ندّاً للواقعي، بل صنع مقابلة بين الافتراضي والراهن/ الحالي. واصطنع مربّعاً تصورياً قسّمه بين الممكن والواقعي والافتراضي والراهن (الحالي). واستطراداً، (اعتبر الافتراضي جزءاً من الواقعي الموجود خلف الحالي الذي يكون دوماً محاطاً بضباب من الافتراضي… لا يُعارَض الافتراضي بالواقعي، بل بالراهن/ الحالي، بمعنى أن الافتراضي يمتلك واقعاً تاماً”[3].  فهو واقع آخر نشأ ضمن منطقه الخاص به، وهو واقع تفاعلي يتماثل في تأثيره مثل الواقع الحقيقي.

    يدعم المتحف الافتراضي الزائر الكتروني، ويحفزه على زيارة المتحف الواقعي أو البلد الذي توجد فيه تلك الآثار، لآن ترتيب العناصر وجاذبيتها في المتاحف الافتراضية يشكل عامل إقبال عليها ، ومن جهة أخرى  نرى في الصورة الافتراضية  ثلاثية الأبعاد دقة أكثر ووضوحاً، وذلك يرجع إلى طبيعة تقنيات الصورة الإلكترونية من إضاءة وألوان ، وقدرتها على مسح الأثر بشكل تفصيلي يساعد على البحث والتقصي والتعلم. إذاً.

  • ماهو المتحف الافتراضي؟. وماهي عيوبه ومزاياه.
  • ما مدى احترافية المتحف الافتراضي وفاعليته ؟.
  • المتاحف الافتراضية وسيلة دعاية  وتعليم وتنشيط ثقافي.
  • المتاحف الافتراضية وسيلة لحفظ التراث المادي الثابت والمنقول في الأزمات والنزاعات المجتمعية

     المتاحف الافتراضية هو مكان يجمع بين جوانبه مقتنيات من أزمنة ماضية قد تتراوح بين عدة سنوات إلى ألوف السنين ،”فالمتحف مرآة المجتمع”[4]، وهي متاحف موجودة على شبكة الانترنيت من أجل التعريف بمتحف ما محلي أو عالمي، يستطيع المتلقي التجول عبر أجنحته وأروقته الكترونياً في زيارة افتراضية وهو موجود على شبكة الأنترنيت قطعاً،( إذ أن استخدام التقنيات الافتراضية في المتحف الواقعي لايعتبر متحفاً افتراضياً)[5]. إذاً كيف يكون إنجاز متحف افتراضي.

“هناك ثلاث مراحل أساسية لإنجاز متحف افتراضي و هي : جمع المعلومات ( الأرشفة) , التصوير و أخيرا تحويلهم إلى معلومات رقمية . فجمع المعلومات يكون من أجل بناء قاعدة بيانات تكون شاملة من تعريف بالمعروضات و العادات و التقاليد و ثقافة المجتمع . أما التصوير فهو البداية لإعطاء صفة الافتراضية للمعروضات لتأتي بعدها مرحلة تحويل الصور بعدة تقنيات رقمية إلى معلومات نشكل بها قاعدة بيانات يتم استعمالها في المتحف الافتراضي”[6).

   نشأ أول متحف افتراضي في فرنسا1995. وهو يعتبر من أكبر المتاحف في العالم، وبعده أنشأت عديد من المتاحف مثل متحف الميتروبوليتان للفنون في الولايات المتحدة الأمريكية. واسبانيا وبريطانيا ودول أخرى.    تميزت المتاحف الافتراضية بقدرتها على نقل الزائرين الافتراضيين بسهولة إلى أقاصي البقاع وتجاوز المكان الجغرافي،  وهي معارض دائمة ومتاحة في كل الأوقات،  وتوفر مالم يستطع الزائر رؤيته في الحقيقة، فيحصل على قدر من الاكتفاء المعلوماتي إلى حين كما يتسم المتحف الافتراضي بدوراً توعوياً وتربوياً وسياحياً بالدرجة الأولى فالسائح والباحث متشوق للمعرفة، معرفة الآخر المجهول، ولكن هذا الاندفاع للمعرفة تعتريه بعض النقائص ، التي تتمثل  “بنقص الواقعية المتمثلة في عدم رؤية معروضات متحفية حقيقة كتلك التي يراها  الزائر في المتاحف التقليدية، لتبرز مشكلة المقاربة والمقارنة بين الواقع الفعلي والواقع الافتراضي، نذكر منها إشكالية المقياس  والمواد  والمؤثرات الحقيقية التي تجعل الزائر ينتقل فعلياً إلى زمن اللقية الأثرية، لكنها بالمتاحف الإلكترونية مهما تمت معالجتها فإنها لابد و أن تترك تأثيرا على القيمة الجمالية للمعروض المتحفي :

علي سبيل المثال : رؤية صورة لديناصور بالمتحف الإلكتروني عبر الانترنت لن توضح علاقة الحجم بين الزائر و الديناصور كما لو كان الزائر واقفا أمام الديناصور الحقيقي بالمتحف التقليدي”[7] .     يرتبط  مفهوم السياحة الإلكترونية، بالمتاحف الافتراضية كونها أحد أركان هذه السياحة وذلك لدورها في الترويج الدعائي للآثار وأماكن المتاحف الحقيقية والبلدان، إذ تسهل تحديد الوجهة السياحية للزائر الافتراضي  واقعياً،
ولكن ما دور المتاحف الافتراضية في عملية الترويج السياحي؟ وما علاقة التراث بالسياحة سواء كانت داخلية أو خارجية؟

      كما نعلم بأن المتاحف الأثرية، تتمتع بغنى كبير من اللقى الأثرية الفريدة ، وإن نشر هذه اللقى على الانترنت سوف يعطي دفعة قوية وجذباً كبيراً للسياح من أجل القدوم إلى المتاحف ، فالمتاحف الافتراضية تكشف مكونات متاحف العالم، وبالتالي السائح يختار من هذه المتاحف أغناها ويقرر زيارتها،  وهذا يتعلق أيضاً بالقدرة الترويجية التي تستطيع أن تنهض بالسياحة في حالة السلم، والمتاحف الافتراضية طبعاً جزء هام من هذا الترويج الذي يجعل المتاحف الحقيقية بكل تأكيد مقصداً سياحياً مرضياً لكل السائحين، وبالتالي تكون محطة دائمة ضمن الأجندة السياحية لهم.

     يقوم المتحف الافتراضي أيضاً بدور تعويضي  وحافظ  للتراث المادي في ظل الأزمات المجتمعية والحروب، حيث يصعب الوصول للأماكن الأثرية مثل( الحرب القائمة في سورية والتعسف المسلط على الأماكن الأثرية من سرقة ونهب وتهشيم وتفجير لبعض الأثار تحت ادعاءات أيديولوجية،  …..وكونها مصادر تمويل للشبكات الإرهابية، بالإضافة إلى نشاط شبكات سرقة الآثار وتهريبها، التي تنشط في الأزمات المجتمعية.

     خلاصة

    تتعلق قيمة المتحف الافتراضي التقنية والمعلوماتية والاحترافية في تصميمه، الذي يعتمد على برمجيات معالجة الصورة، فوتوشوب ، إنديرزاين، إلليستراتور، والمعالجة ثلاثية الأبعاد3Ds Max،  كما يوجد المتحف الافتراضي بواسطة عرض صور ثابتة ثلاثية الأبعاد أو صور متحركة ثلاثية الأبعاد.   تتعلق أهميته بكم الآثار المعروضة، وتخصصات أجنحتة وأروقته، وتمكنه من أرشفة أكثر كم من الآثار. ومحاكاته للمتحف الواقعي، والإحالة على مصادر المعلومات والمواقع الإلكترونية التي تهم الباحث والمتعلم. إذ يعتبر مرجعاً هاماً للمعلومات.




[1] – عابد طارق:مقال منشور015/08/26 – ‎2منذ 3 سنوات ، آخر تحديث: 2015/08/26.

[2] -دولوز جيل: Gilles Deleuze:  فيلسوف وناقد أدبي وسينمائي فرنسي.

[3] –  رنا النجار: مجلة الحياة، المتحف الافتراضي واضعاً تاريخ الحضارات في جيبك، 10.6.2017.

[4] – زهدي بشير: المتاحف، ص 8، منشورات وزارة الثقافة 1988، دمشق.

[5] – جودت مصطفى:أستاذ تكنولوجيا التعليم بجامعة الملك سعود،وجامعة حلوان.

[6] -موقع متحف السادات:http //sadat-museum.site123.me المتحف الافتراضي.27.1.2019تاريخ اعتماد هذا المقال.

[7] -الملاح تامر: نشرت فى 11 يناير 2015 بواسطة tamer2011-com المتاحف الإلكترونية.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page

X