النقوش الخطية على جدران قصر الحمراء في الأندلس
ولاغالب إلا الله
توجد على جدران قصر الحمراء في الأندلس، نقوش خطية وزخارف نباتية على الحجر والجص، احتوت على عبارة ( ولا غالب إلا الله) كتبت بالخط القرطبي الأندلسي على خلفية زخرفية، احتوت أشكالها على زهرة الأكانتاس أو شوكة اليهود، وكوز الصنوبر، ضمن تحويرات اختزلت وعدلت من شكل الزهرة بما يناسب المساحة المخصصة بين الحروف.
وضع بنو الأحمر ورثة الموحدين عبارة ولا غالب إلا الله على جدران قصر الحمراء، بدعوى عدم بقاء الملك مهما علا شأنه وكبر وتوسع، ولتبقى ذكرى للعالمين على مدى الدهر. كتبت تلك العبارة بالخط الأندلسي وهو خط عربي نشأ وازدهر في الأندلس، وهو على نوعينالخط الكوفي الأندلسي: ويتميز بغلبة الزوايا وهو شديد التأثر بالخط الكوفي.والخط القرطبي أو الأندلسي وتكثر فيه الانحناءات والاستدارات، التي نراها واضحة في طريقة نقش شعار بنو الأحمر، وهو خط تنبع أصوله من الخط الكوفي، الذي قدم مع المسلمين إلى الأندلس، لكنه انتشر ليطغى على جميع الخطوط في المنطقة وشمال أفريقيا حسب قول العلامة ابن خلدون في مقدمته: “وأما أهل الأندلس فانتشروا في الأقطار… في عدوة المغرب وإفريقية… وتعلقوا بأذيال الدولة، فغلب خطهم على الخط الإفريقي وعفا عليه، ونسي خط القيروان والمهدية… وصارت خطوط أهل إفريقية كلها على الرسم الأندلسي بتونس وما إليها” وهذا يؤكد قدرة هذا الخط على التأقلم مع كافة المواد والمساحات وإمكانية إدماجه مع الزخارف النباتية، كونها تتوافق مع ليونة الحروف واتساقها، فقد وضعت عبارة ( ولاغالب إلا الله) لتشغل كامل المساحة المخصصة للجملة، فكتبت كلمة ولاغالب وحدها مع مد حرف الباء ليصبح حاملاً لباقي العبارة ( إلا الله) حيث كتبت فوق حرف الباء مع مراعاة التجاويف والفراغات الناتجة عن توارد الحروف، ثم كتب حرف الهاء مفرداً باتجاه معاكس لكتابة العبارة ليشكل قوساً، يتناغم مع شكل وحجم حرف الواو الذي ورد في أول العبارة، حيث يستفاد منه زيادة التشديد والتركيز والتأكيد، وهو يفيد الاستغراق في لفظ الحرف فيبلغ غايته المنشودة عند ذكر الله.
نرى أيضاً جمالية أخرى تتصل بقضية إشغال الفراغ في الفنون الإسلامية، فالزخرفة في هذا النقش تأخذ دور الخلفية،التي لم يهملها الفنان، فقد نقشت بمستوى أقل ارتفاعاً من النقش الخطي، تم التصرف بها بإزميل خفيف.
ينتفي الفراغ في هذه النقيشة الخطية مكوناً تعالقات شكلية ولونية وخطية مع حركة صاخبة للشكل واللون، بدون حدوث تشويش بصري، فالمساحة المشغولة بالزخرفة لا تتداخل مع الحروف المكتوبة، بسبب اعتماد لون رمادي ملون داكن للزخرفة ، ما يساعد في إبراز الخط المنقوش والمحفور على الجدار، حيث يشكل الضوء مجالاً حيوياً وديناميكياً لتلك الأشكال المنحوتة، التي تشكل مساحات صافية تضيء وتتميز عن باقي العمل، لأن الغرض هنا القراءة والفهم للجملة المكتوبة.
تتسم الظواهر الفنية التي طالعتنا بها البلاد الأندلسية، بالأخذ والعطاء من الحضارات المجاورة، واستفادتها من المزيج الحضاري في إرساء فنون ذات طابع محلي أبدعته يد محلية.نراه في الفترة الأموية من الفن الإسلامي في الأندلس، وكذلك في قترة التدجين التي خضع لها مسيحيوا ومسلموا إسبانيا، وهنا نتحدث عن الفن المدجن كمصطلح أطلق على مجموعة المنجزات الفنية المعمارية وما يتبعها، نتيجة تداخلاً طريفاً لعناصر زخرفية بيزنطية إسلامية، شكلت هوية حضارية للعرب في الأندلس.