التكوينات الشبكية في الفنون الإسلامية

     تقديم.

       استخدمت التكوينات الشبكية في الفنون التشكيلية على مر العصور، كأداة لتكوين الصور وتحقيق التوازن بين عناصر العمل الفني، كذلك تم توظيفها  في التصميمات المختلفة لإنشاء توازنات وتناغمات داخلية ، تفيد التكوين العام للعمل الفني.

يعتبر التكوين الشبكي نمط زخرفي هندسي معقد يستند إلى تكرار عناصر هندسية بسيطة ومتشابهة، بطريقة تكوّن منها نمطًا متكررًا ومتناغمًا. يُستخدم هذا النمط في مجموعة متنوعة من الفنون والعمارة، بما في ذلك الفن الإسلامي والفن الهندسي، والتكوينات الشبكية تتكون عادة من أشكال هندسية مثل الدوائر والمربعات والمثلثات والخطوط، تعبأ تلك الأشكال داخل أشكال أكبر بشكل متكرر، وهكذا ينشأ نمطاً متجانساً ومتناغماً يمتد بشكل لانهاية له، تستند التكوينات الشبكية إلى قواعد هندسية دقيقة وتتطلب دقة ومهارة في تكرار الأنماط بطريقة متناسقة.

هذا النوع من الزخارف يمكن أن يظهر على مجموعة متنوعة من الأسطح، بدءاً من الألواح الخشبية والخزفية وحتى الزجاج المعشق والمعمار العمودي والقباب، يمكن أن يكون للتكوينات الشبكية دلالات روحانية مثل الوحدة والتوازن والتناغم.

الفن الإسلامي هو واحد من أبرز المجالات التي تستخدم التكوينات الشبكية بشكل مميز، لأن فحوى الفنون الإسلامية هو التكرار والتماثل الذي نجده في المباني والأعمال الفنية.

لكننا نجد أثراً لتلك  التكوينات الشبكية عند حضارات قديمة قبل الميلاد، حيث تطالعنا صور الكهوف بأشكال منثورة على جدران صخرية، لا يراعى فيها سوى الحكاية أو الرمز الطقوسي، لكننا نرى بعض العناصر قد ازدانت بخطوط متقاطعة ومتشابكة، لإضفاء مساحات ذات درجات إضاءة مختلفة أو ربما لغاية تلوين المساحة أو تزيينها، بإضافة سردية خاصة للخط تحمل في طياتها رمزية عالية ذات تجليات ميتافيزيقة، لكن مع تطور الوعي البشري واستيعابه لفحوى رسالته الإنسانية والحضارية وتطويع الطبيعة لمصلحته، ظهرت آفاقاً أخرى للفنون التي مارسها إنسان الطبيعة الأول، كان لاستخدام الشبكات على اختلاف أنواعها أثراً مميزاً لهوية تلك الفنون، بل أصبحت منهجاً في التعامل مع كافة المساحات المعمارية، لاسيما المعابد الأثرية، نذكر منها راية ” أور” في بلاد مابين النهرين، والأحواض النذرية المنحوت على جدرانها مشاهد ولائم للآلهة، ضمن سلسلة من التقسيمات الشبكية، حيث يتم تقسيم الحكاية إلى مشاهد تصويرية لكل منها مساحته المحددة، أما معبد دورا أوربوس الكائن في متحف دمشق، حيث رسمت على جدرانه بعضاً من قصص الأنبياء “قصة سيدنا إبراهيم”، التي لاحظنا فيها كيفية اشتغال الفنان على تقسيمات للجدران، تفيد سرد الحكاية الدينية، فقد قسمت الجدران بخطوط متوازية، أفقية وعمودية، جعل منها شبكة تحتوى صمنها مشاهد الرواية الدينية المصورة على جدران المعبد.

نلاحظ أيضاً اعتماد الفنانون البيزنطيون على الشبكات والتقسيمات الهندسية في الأثريات واللوحات الجدارية والرموز الدينية، ما يدل على التأثيرات الحضارية المتبادلة ، يظهر ذلك في المنمنمات البيزنطية، التي اعتمدت نظاماً من التقسيمات الهندسية المعقدة، إضافة إلى الزخارف النباتية والهندسية، وهي نمط فني ازدهر خلال الفترة من  القرن الرابع  حتى القرن الخامس عشر في مناطق شرق البحر الأبيض المتوسط، وتحديداً في الامبراطورية البيزنطية، كما تعتبر المنمنمات البيزنطية جزءاً مهماً من التزيين الفني في العمارة والفسيفساء والأثاث والأعمال الفنية الدينية وغيرها من الابداعات البيزنطية، تتميز تلك التصاميم بالدقة والتعقيد، حيث تشمل تكراراً للأشكال الهندسية والزخارف والنقوش والأنماط المعمارية، من بين أشهر المنمنمات البيزنطية، “منمنمات القبة، الزخارف المذهبة والتفاصيل الهندسية” التي تعتمد التقسيم الشبكي الهندسي الذي يمثل أحد أهم عناصر الفن البيزنطي في تنظيم الفراغ في العمارة والفنون التشكيلية، حيث يقسم السطح إلى مجموعة من الخلايا الهندسية المتكررة، مثل المربعات والمثلثات والدوائر ضمن آلية التكرار مما يضفي عمقاً وحركة بصرية تعزز جماليات الأسلوب الفني الفريد للفن البيزنطي .

التكوينات الشبكية في الفنون الإسلامية.

   تعكس التكوينات الشبكية في الفن الإسلامي المفهوم الإسلامي للوحدة والتناغم، يتجلى ذلك في الزخرفة العربية الإسلامية من خلال التكوينات الهندسية البسيطة مثل الدوائر والمربعات والمثلثات وتجمع تلك الأشكال لتكوين نمط معقد يبدو وكأنه يمتد إلى ما لانهاية.

   وقد أوضح عصام السيد وعائشة بارمان في كتابهما «مفاهيم هندسية في الفن الإسلامي» “أن المزخرفين المسلمين استخدموا نظامًا قُسّمت فيه الشبكات الهندسية إلى وحدات متماثلة تتكرر في اطراد منتظم. ويتم ذلك بتقسيم المساحة إلى مربعات أو مسدسات متشابهة في الحجم، يرسم داخل كل وحدة شكل هندسي يؤخذ على أنه أساس الشبكة التي سيبنى عليها مخطط تلك الوحدة. وترتبط كل وحدة من كل الجهات مع وحدات أخرى متماثلة لتؤلف الشكل الإجمالي لتلك المساحة. فساعدت تلك الطريقة في عملية تكبير وتصغير المخططات الزخرفية بسهولة على  أساس العلاقة النسبية بين الأشكال الهندسية”.

يستخدم هذا النمط التكوينات الشبكية المعقدة لتزيين القباب والجدران والمآذن، ويتميز بالتكرار الهندسي والتناغم المتجانس.عادةً ما يكون للتكوينات الشبكية دلالات رمزية وروحية في الفن الإسلامي، حيث يُعبرون عن النظام والترتيب في الكون والتواصل مع الله. يتميز هذا النمط بالترتيب الدقيق والجمال الهندسي، ويعكس تفاني الحرفيين في إنشاء أعمال فنية تعبر عن قيم الجمال والروحانية في الإسلام.

إجمالاً، التكوين الشبكي في الفن الإسلامي يمثل تجسيدًا للروحانية والجمال والتناغم، ويعكس تفاني الفنانين والحرفيين في تجسيد القيم الإسلامية في أعمالهم الفنية.

تحتوي الزخرفة العربية على مجموعة متنوعة من الشبكات التي تستخدم لتزيين العمارة والمحامل الفنية المختلفة. نذكر منها مايلي:

–         الشبكة الهرمية أو الشبكة الرباعية: تتميز بتكرار الأشكال الهرمية أو المربعة في تكوين شبكي تستخدم هذه الشبكة كثيراً في العمارة الإسلامية لتزيين الجدران والقباب.

–         الشبكة المثلثية: تستند إلى تكرار الأشكال المثلثية لتشكيل نمط متشابك ، تستخدم هذه الشبكة لتزيين العمارة والزخارف.

–         الشبكة الستية أو الشبكة السداسية: تتألف من تكرار الأشكال الستية والمثلثية لإنشاء نمط متجانس ومتناغم ، تستخدم هذه الشبكة بشكل خاص في تزيين القباب.

–         الشبكة المعمارية العربية: هذا النمط المعروف بالمعمار المستعرب يتميز بتكوينات شبكية معقدة تشمل تداخل الدوائر والمثلثات والمربعات والخطوط لإنشاء أشكال هندسية متداخلة.

–         الشبكة المركبة: تشتمل على تكرار مجموعات من الأشكال الهندسية المختلفة وتداخلها لتشكيل نمط معقد يمتد بشكل لانهائي، تستخدم هذه الشبكة لتزيين الأسطح والمباني.

–         الشبكة الخرسانية: تستخدم في الزخرفة الحديثة والمعاصرة، حيث يتم تطبيق تقنيات الشبكة على المواد المعاصرة مثل الزجاج والمعدن والخرسانة المعشقة.

يتم استخدام الأنماط السابقة بشكل متكرر في العمارة والفنون التشكيلية  الإسلامية لخلق تاثيرات بصرية  جمالية متجانسة.

مازال استخدام الشبكات مستمرا،  كعنصر تنظيم وتقسيم وإعداد المساحة المستهدفة، لوضع العناصر المناسبة في مكانها المناسب، في الفنون كلها، إذا تعتبر الأساس البنائي للعمل الفني مهما كان نوعه، لكن شكل الشبكة ونوعها هو الذي نجده يتبدل مع تطور وتبدل أساليب الابداع الفني، إذ لا نجدها فقط في فن الزخرفة، لكننا نجدها في الفنون الغربية أيضاً تأخذ مفهوماً آخر وجب البحث فيه لما له من تأثير على الفن الإسلامي عموماً .

  • المراجع:
  • الصورة ماخوذة من الموقع الإلكتروني 9/8/2023. التالي:https://whatt.cc    

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page

X