آراء ودراسات في مفهوم الفن الإسلامي
قبل البدء في مبحث الفنون الإسلامية وجب التقصي عن المفهوم وماهيته وأبعاده الفكرية والجمالية والحضارية وذلك بطرح تساؤلات مهمة منها:
- ماهو الفن وما تعريفه قديماً وحديثاً؟…
- ماهو الفن الإسلامي؟.. متى وجد مصطلح الفن الإسلامي؟؟؟
- ماهي الفنون الإسلامية؟…
- لماذا كان هذا الفن مغايراً للحضارات المجاورة؟…
- هل الفن الإسلامي من الفنون التطبيقية؟..( فن إكساء العمارة أو المنقولات المادية).
- هل نستطيع تقسيم الفن الإسلامي إلى طرز أو أساليب؟ وماهي الإضافة من فترة تاريخية إلى أخرى برز فيها هذا الفن؟…..
- هل يمكن تقسيم مفهوم الفن الإسلامي إلى كلاسيكي ومعاصر؟…
- كيف تطورت اعتباراته ومقبولية المصطلح وتبنيه؟….
نلجأ في البدء إلى تعريف لفظة (فن) استناداً إلى تعريفات بعض الباحثين ، التي تساعدنا في البحث على اعتبارات شتى تخص الفنون الإسلامية، نسوق بعض التعريفات كالتالي.
- الفن هو الإبداع الإنساني الصانع لفكرة الحضارة ومقوماتها المادية والمعنوية، فضلاً عن نمطها المتطور في الاستقرار، وشكلها المتقدم في الهوية الثقافية، وعن أسلوبها الراقي في التثاقف أو التواصل الحضاري مع الغير في سبيل عمارة الآرض، التي هي جوهر الخطاب الإسلامي في مستوييه، الديني الإيماني القائم على الاستخلاف، أو الخلافة للإنسان في الأرض، والمستوى الحضاري القائم على الفطرة الفاضلة للإنسان في الإبداع العلمي الأدبي والفني، وغير ذلك من مجالات الاجتماع والاتصال والعمران.
- تعريف الفن حسب قاموس الفلسفة:
- يطلق على مايساوي الصنعة.
- تعبير خارجي عما يحدث في النفس من بواعث وتأثيرات بواسطة الخطوط او الحركات أو الأصوات أو الألفاظ.
وورد في لسان العرب أن الفن هو الضَّربُ من الشيء.
ويعرف الفن أيضاً على أنه مهارة يحكمها الذوق والمواهب.
-هو التطبيق العملي للنظريات العلمية بالوسائل التي تحققها ويكتسب بالدراسة والمرانة.
-جملة من القواعد الخاصة بحرفة او صناعة.
-جملة الوسائل التي يستعملها الإنسان لإثارة المشاعر والعواطف وبخاصة عاطفة الجمال كالتصوير والموسيقى والشعر. والفن عموماً مهارات مكتسبة متأتية عن فكر.
يعرف أبي حيان التوحيدي العمل الفني أنه مهارة إنسانية تتم بالأيدي وليس بالعقل وحده فالإنسان وحده القادر على إبداع الجمال وتذوقه ولقد مُيز بالحاسة الفنية والقدرة على تذوق الجمال، في رأي التوحيدي الفن يحاكي الطبيعة الإلهية ويرى أيضاً أن الطبيعة فوق الفن وأن الفن دون الطبيعة ودور الفن هو التشبه بالطبيعة، وذلك لقوة الطبيعة الإلهية أما الفن فهو بشري مستلهم من الطبيعة وعليه فليس بمقدورة أية قوة بشرية أن تتساوى مع القدرة الإلهية إلا عن طريق التشبيه والتغريب.( من كتاب فلسفة الفن عند أبي حيان التوحيدي: عفيف بهنسي).
نلاحظ عند بحثنا عن مفهموم كلمة (فن) وجود مترادفات كثيرة تدل على نشوء تلك المصطلحات والفترة الزمنية التي أنشأتها مع كل مدلولاته واعتباراته الظرفية، فنجد العبارات التالية: هذه المصطلحات هي:
فنون حرة، فنون تشكيلية، فنون جميلة ، فنون تطبيقية، تقنية مختصة، الصنائع الفنية، الفنون الآلية، الفنون الرقمية، فنون كبرى وفنون صغرى، فنون راقية، لنستنتج أن كلمة فن وجدت آثارها قبل عصر النهضة كتقنية مختصة جُعلت من أداة وعمل يدوي، وهو مااعترض عليه فنانوا عصر النهضة خاصة بعد اعتناق المذهب الإنساني وإبراز مكانة الفكر الإنساني، فقد رفض الفنان منزلة الحرفي، لنرى أن (ليوناردو دافنشي) قد أدخل علم المنظور، قواعد النسب، دراسة الأشكال الخارجية ليوضح أن الرسم شيء ذهني، إضافة إلى أن فن الرسم غير نفعي نظراً لوظيفته الدينية آنذاك، وبذلك أطلقت عبارة فنون كبرى.
- تعريف الفن الإسلامي:
نجد في غالب المراجع التي تبحث في ماهية الفن الإسلامي، مصطلحات عدة أسندت إلى مجمل المظاهر الفنية التي تذخر بها البلاد العربية وكذلك البلدان الغربية التي نسجت فنونها الإسلامية على نمط وأسلوب ما أسست له التقاليد الفنية الإسلامية في العصور المبكرة، لنجد أن طراز العمارة الأموية الإسلامية التي يتوجها المسجد الأموي في دمشق وأسس لها، قد اعتبرت الأساس في بناء وتزويق المساجد في العالم الإسلامي جميعه.
مر مصطلح الفن الإسلامي بتحولات كبرى منذ ظهور مباحث الفن وعلم الآثار ففي بداية القرن 19 والقرن 20م استخدم مفهوم الفن العربي، كما استخدم في الولايات المتحدة الأمريكية عبارة الفن المحمدي، نسبة إلى رسول الإسلام محمد (ص)، واطلقت عبارة الفن العربي الإسلامي أو الفن الشرقي Saracenic Art ، وآخرون أطلقوا عليه الفن المغربي، لكن تسمية الفن المغربي تنطبق فقط على فن بلدان شمال أفريقيا والأندلس، على أن تسمية الفن الإسلامي تبقى مقبولة للدلالة على الفن الذي انتشر في جميع الدول العربية.
تبقى تلك المصطلحات المتعددة للمعطى الواحد محل سجالات ونقاشات، جعلت الآراء تتردد بين اعتماده ( الفن العربي أو الفن الإسلامي أو الفن العربي الإسلامي) وهي كتابات نقدية نلمسها عند (زكي محمد حسن، عفيف بهنسي وغيرهم) بسبب ارتباط الدين الإسلامي بالعروبة والأرض العربية وما ترك من آثار إسلامية على الأرض العربية. والتي تتزين بخط عربي وزخرفة منقوشة على العمائر الإسلامية المتنوعة.
يقول الباحث عفيف بهنسي: أن الفن هو الحضارة، فهو فاعلية إبداعية راقية تدل على مستوى رقي الإنسان ووسائله في مجتمع معين ضمن حدود مكانية وزمانية، وهو لغة تعبيرية مرتبطة بروح الأمة، فإذا كانت الأمة العربية واضحة بخصائصها وتاريخها، فإن هذا الفن الذي أفرزته هذه الأمة عبر تاريخها هو فن عربي.
وهو يقول ان المستشرقين قد واجهوا مشكلة تنسيب هذا الموروث المادي الفني، فهل نسبوه إلى أمة أو حضارة أو دين، وهل نسبوه إلى ما سبقه من نتاجات فنية كالفن البيزنطي أو الإغريقي.
- إن ربط هذا الفن بالهوية الإسلامية يعني ربطه بالدين الإسلامي.
- إن الحديث عن الفن في البلاد الإسلامية ممكن دائماً إلا أنه يضم مظاهر العمارة والفن التي كان الإسلام سبباً لها، وهكذا فإن ثمة جمالية إسلامية لابد من توضيحها وتفسير عناصرها وتحري أصولها الثقافية .هنا يلتقي الحديث عن الجمالية العربية بالحديث عن الجمالية الإسلامية طالما أن الإسلام ذروة من ذروات الثقافة والحضارة العربية.
–علاقة الفن الإسلامي بالحضارة الإسلامية
– يقول أرنست كونل: أن الفن الإسلامي لايفرق بين( الطراز الديني) و( الطراز المدني)، بل يوحد بينهما في العمل الواحد.
– جورج مارسي، إن للفن الإسلامي شخصيته المميزة عن بقية فنون العالم، وان كلاً من الدين الإسلامي واللغة العربية كانا الرابط القوي بين طرز الفن المختلفة ومدارسه المتنوعة، في وحدة فنية تمثلت بصفة خاصة في العمارة الدينية.
– يؤكد جروب، مثلاً أن الوحدة البنيوية لعالم الإسلام تتمثل في الوحدة العرقية والجغرافية للعناصر الثقافية الثلاث، العربية والفارسية والتركية.
أما العوامل الحضارية التي كانت أكثر من غيرها إسهاماً في نشأة الفن الإسلامي وتطوره، فقد تبلورت في: العامل الديني المتمثل في الدور الذي أحدثه كل من المسجد والمصحف الشريف في الحياة الإسلامية وفنونها الجمالية والاستعمالية أو التطبيقية، والعامل السياسي الذي تمثل في رعاية الخلفاء والسلاطين والملوك وبقية الحكام المسلمين لمختلف أنواع الفنون الإسلامية بلا استثناء، والعامل الاجتماعي الذي تمثل في توجه مختلف طبقات المجتمع الإسلامي- عبر حقبه التاريخية المتعاقبة- إلى الاهتمام بالفنون والصنائع والعناية بها وتنظيمها في مؤسسات اجتماعية خاصة، والعامل الفكري الذي رافق هذه التنظيمات الاجتماعية في تنمية الفنون بالتوعية والتعليم والتأجير وغيرها من طرائق نشر الثقافة الفنية الإسلامية ووسائلها، والعامل العلمي الذي دفع العملية الفينة الإسلامية دفعاً كبيراً في مجال صناعة الكتاب الإسلامي المخطوط.