عمل للفنان نور الدين فاتحي،Nouredine Fathi

الاستعارة والاقتباس وإشكاليات التمايز والتماثل

       الاقتباس والاستعارة هما أداتان لغويتان تُستخدمان بشكل شائع في الأدب والكتابة لتوضيح الأفكار وتعزيز التعبير. الفرق الرئيسي بينهما يكمن في طريقة استخدام كل منهما وأثرها على النص، وبما أن  الفن التشكيلي ينتج نصوصاً مرئية، توجب قرائتها بصرياً عن طريق أدوات، تساعد على فهم طبيعة وكينونة النص البصري المادي وأبعاده المتخيلة، فما هو الفرق بين الاقتباس والاستعارة في الفن التشكيلي

  1. الاقتباس:
    • الاقتباس هو استنساخ حرفي لكلام أو نص من مصدر آخر، سواء كان ذلك من كتاب، مقال، خطاب، أو أي نوع آخر من النصوص.
    • يُستخدم الاقتباس للإشارة إلى أفكار أو معلومات ذات أهمية، ويجب أن يتم توثيقه بشكل صحيح ليتم التعرف على المصدر الأصلي.
    • مثال: “قال الشاعر: ‘إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر'”

ومعنى كلمة اقتباس لغوياً: هي قبس، قبساً- منه النار: أخذها شعلة.2- العلم : تعلمه واستفاد منه، ويقال قبس عنه المجد، أي أخذه واستمده منه.3- فكرة من كتاب: استمدها منه واستقاها.

2.الاقتباس في الفن التشكيلي:

  لاينفك الفنانين التشكيليين يقتبسون ويلتمسون في الماضي او الحاضر معاني وتعابير تدل على العمق وإبلاغ الرمز كامل قوته المعرفية، لإيصال هواجس تعتبر أحلاماً مشروعة في تصور وطن أو تشخيص عطب ما أو التعبير عن ألم، لم ينتبه إلى تأثيراته أحد، لذلك كان الأخذ من حضارات مضت تشبثاً بهوية أو مصير، عبر صور مرسومة يكون تبليغها للرسالة أسرع وأفضل.

هنالك “علاقة تساكن بين نصّين أو أكثر، أو حضور فعلي لنصّ داخل نصّ آخر” كما قال جيل دولوز، لهذا السبب لا يعدّ الاقتباس البصري استعارة تكرّس علويّة الأصل على توابعه، بل إنّه آليّة توليديّة تحوّل عمل الاقتباس أنموذجًا يصنع تمايزًا جماليًّا خلاّقًا”[1]

يحيلنا المعنى السابق لكلمة اقتباس إلى كلمة أخرى تتماثل في السياق اللغوي، كثيراً أو قليلاً وهي: الاستعارة. حيث نرى تعريفها كالآتي:

  1. الاستعارة: Le métaphore
    • الاستعارة هي نوع من أنواع المجاز الذي يتم فيه استخدام كلمة أو عبارة للإشارة إلى شيء آخر غير معناها الحرفي، بغرض توضيح الفكرة أو تعزيز التعبير. “وهي اسم لما أريد به غير ما وضع له مناسبة بينهما، كتسمية الشجاع أسداً” تعريفات الجرجاني.[1] وعرّفها القاضي الجرجاني (أبو الحسن علي بن عبد العزيز الشهير بالقاضي الجرجاني – صاحب كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه): “فأما الاستعارة فهي أحد أعمدة الكلام، وعليها المعول في التوسّع والتصرّف، وبها يتوصّل إلى تزيين اللفظ، وتحسين النظم والنثر”. وقال عنها أيضاً: “ما اكتفي فيها بالاسم المستعار عن الأصلي ونقلت العبارة فجعلت في مكان غيرها، وملاكها بقرب التشبيه، ومناسبة المستعار للمستعار له، وامتزاج اللفظ بالمعنى حتى لا يوجد بينهما منافرة، ولا يتبين في أحدهما إعراض عن الآخر” – العمدة ج 1 ص 240.
    • تُستخدم الاستعارة لإضفاء لون جمالي وتعبيري على النص، وهي تعتمد على تشبيه ضمني بين شيئين مختلفين.
    • مثال: “البحر غاضب اليوم”، هنا تُستخدم كلمة “غاضب” للإشارة إلى حالة البحر المتلاطمة، رغم أن البحر لا يغضب بالمعنى الحرفي.
  1. الاستعارة في الفن التشكيلي:

     أما الاستعارة في الفن التشكيلي فهي رؤية للعالم الموضوعي والمتخيل في الآن      ذاته، وهي تساعد الفنان على إنشاء الأبعاد البنائية والتأليفية في العمل الفني، استنادا إلى واقع تعبيري يحمل للمتلقي لغة الخطاب الرّمزي والفكري والرّؤية الجماليّة من خلال العلاقات الجدليّة الكامنة في بنائيّة اللوحة وعناصرها التشكيليّة

مثال: سيزان (1839. 1906)، فقد استعار الأشياء من الطبيعة، وأحالها إلى أصولها التكوينية الهندسية، إذ يرى كل مافي الطبيعة متكون من المخروط والدائرة والمثلث، كذلك قام بتجزأة مساحة اللون ونظمه كما في لوحته( جبل سان فيكتور).

كذلك قام السرياليين باستعارة عناصر مستمدة من الواقع، ثم الاستعانة بمخيلتهم الجانحة نحو الغرائبية الميتافيزيقية، لإعادة تركيبها وفق تصوراتهم، مثال لوحة سلفادور دالي (عارضة أزياء).

كيف تكون الاستعارة في الفن التشكيلي

الاستعارة في الفن التشكيلي تُستخدم كوسيلة لتعبير الفنان عن الأفكار والمشاعر بطريقة غير مباشرة وبأسلوب مجازي. كما في الأدب، تُستخدم الاستعارة في الفن التشكيلي لخلق تشبيهات بصرية تربط بين عناصر مختلفة لإيصال معاني أعمق وأكثر تعقيدًا. إليك بعض الطرق التي يمكن أن تظهر بها الاستعارة في الفن التشكيلي.

  1. الأشياء والأشكال:
    • استخدام الأشياء والأشكال بطرق غير متوقعة لتمثيل أفكار أو مشاعر معينة.
    • مثال: قد يرسم الفنان شجرة بجذور متشابكة تمثل الروابط العائلية أو القيم الثابتة.
  2. الألوان:
    • الألوان يمكن أن تُستخدم كاستعارة لتعبر عن حالات عاطفية أو مفاهيم مجردة.
    • مثال: اللون الأحمر يمكن أن يرمز إلى الحب أو الغضب، بينما الأزرق يمكن أن يرمز إلى الهدوء أو الحزن.
  3. الرموز:
    • استخدام الرموز الشائعة كاستعارات لتمثيل مفاهيم أوسع.
    • مثال: قد يستخدم الفنان صورة للميزان كاستعارة للعدالة، أو يستخدم المفتاح كرمز للحل أو الوصول إلى المعرفة.
  4. التكوينات والمشاهد:
    • ترتيب العناصر داخل اللوحة بشكل يُحاكي موضوعًا مجازيًا.
    • مثال: قد يرسم الفنان مشهدًا لطريق طويل ومتعرج ليُعبر عن رحلة الحياة وتعقيداتها.
  5. الملمس والخطوط:
    • يمكن أن يكون استخدام الملمس والخطوط وسيلة لنقل استعارات حسية.
    • مثال: استخدام خطوط خشنة وغير منتظمة قد يرمز إلى الفوضى أو الألم، بينما الخطوط الناعمة والمتدفقة قد ترمز إلى السلام والانسجام.

الاستعارة في الفن التشكيلي تعطي الأعمال الفنية عمقًا وأبعادًا إضافية، حيث تمكن المشاهد من تفسير العمل الفني بطريقة شخصية تعتمد على تجاربه ومشاعره الخاصة. هذا يجعل الفن التشكيلي وسيلة غنية ومتعددة الطبقات للتعبير والتواصل.

خلاصة:

    الاقتباس يعتمد على الدقة والنقل المباشر للنصوص من مصادر أخرى، بينما الاستعارة تعتمد على الإبداع والخيال في استخدام الكلمات لإيصال المعاني بطريقة غير مباشرة ومبتكرة. وتكون الاستعارة البصرية أبلغ واشد بعداً نتيجة عملية التأويل المتغيرة والمستمرة للأثر المتظاهر شكلاً ولوناً.

 

 

 

 

المراجع:

1 – برنوصي ( شوقي)، مقال منشور في موقع صوت إلترا، 29 دسمبر 2018م.

2- المراق( عبد الكريم)، ومجموعة من الأساتذة (عبد الستار جعبر، المولدي يونس، محمد حرز الله، هند شلبي)، المركز القومي البيداغوجي، نشرة اولى 1977م، ص166.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page

X