أصبحت مشكلة الحفاظ على المخطوطات، مصدر قلق في بداية القرن الثامن عشر، نظراً للطلب المتزايد على الورق، حيث تم إدخال تغييرات ضارة في طرق صناعة الورق منذ ذلك الوقت، مما أدى إلى وجود أوراق هشة، لا تصمد مع الزمن، فالأوراق القديمة جيدة ومقاومة، والأوراق الحديثة عبارة عن خليط صناعي لعناصر بالية تمت رسكلتها( أوراق جرائد، أقمشة، أخشاب…)، عمرها قصير مقارنة مع الأوراق القديمة التي تعود لقرون خلت.
ابتكر المهتمون بتقنيات الحفظ والترميم، أساليب مرتجلة في ورشهم الخاصة، واكتشفوا طرقاً أصبحت أسراراً خاضعة للحراسة، مثل ضخ الزهور داخل الأوراق، أو تغطية الوثائق وحمايتها بالقماش القطني، واستخدام زيت القرنفل وزيت الأرز ولكن لا جدوى ترتجى من هذه الطرق مع التقادم الزمني، وبقيت حموضة الورق هي المعضلة الكبرى لأن ورقة قلوية سيكون متوسط العمر المتوقع ثلاثمائة سنة فقط.
إذاً يعتبر “فن الحفظ قديم قدم الحضارة الإنسانية. بمعنى أنه مستمد من غريزة الحفظ التي تتجلى في جميع الكائنات الحية. بالنسبة إلى الوثائق ، فقد كانت موجودة بشكل أو بآخر منذ أن اخترع الإنسان الكتابة ، ومن الطبيعي أن تسعى الإنسانية إلى الحفاظ عليها بسبب قيمتها كدليل قانوني”[1]، ويعود الفضل لهذا الفن في المحافظة على إنجازات البشرية في كافة مجالات الحياة، فقد تكون قوانين أو عقوداً أو كتباً علمية وأساطير وربما مدونات موسيقية.
المعنى اللغوي:
نجد في لسان العرب: “واسترم الحائط أي حان له أن يُرَمَّ إذاً بعد عهدُهُ بالتّطيينِ، رمَّ الشيء يرمه رماً أصلحه واسترمَّ دعا إلى إصلاحه”[2].
في المعجم الوسيط: “رمَّمَهُ: رمَّهُ.
استرمَّ الشيءُ:حان له أن يرمَّ ودعا إلى إصلاحه، يقال استرمَّ الجدار.
الترميم في علم (الرسم والتصوير): وضع ورقة شفافة على الرسم المراد نقله، والمرور بالقلم على كل الورقة الشفافة مترسماً الخطوط التي في الرسم الأصلي. والرسم الذي يظهر فوق الورقة الشفافة.(مج)”[3].
في معجم اللغة العربية المعاصرة:
“رمَّ الشيء: أصلحه وقد فسد بعضه، لمَّ ما تعرف منه، رمَّ المنزل القديم-انتهى من إصلاحه.
ترمَّمَ المنزل القديم: رمَّه، تتبعه بالإصلاح، ترمَّمَ الأثر. أو أصلحه وقد فسد بعضه (ترميم آثار- رمَّمَ اللوحة الفنية)”[4].
المعنى الاصطلاحي للترميم:
يمثل الترميم المرحلة النهائية لصيانة المخطوطات، حيث تسبقه عمليات تعقيم ومعالجة كيميائية، يلي ذلك عملية التجليد وهي العملية النهائية لصيانة المخطوط وحفظه.
ويعني أيضاً: إعادة الأثر إلى شكل أقرب ما يكون إلى شكله الأصلي قبل إصابته، نظراً لاختلاف نوع الأثر بين المخطوط والتمثال والحفرية والمومياء…..اختلفت الطريقة والأسلوب الذي يتبع عادة لإعادة الأثر إلى ما كان عليه قبل إصابته.
والترميم أيضاً هو إطالة عمر المخطوط أكبر فترة ممكنة بالحفاظ عليه.”ومن هنا فإن الترميم هو المحافظة على المقتنيات الحضارية من أجل المستقبل بأساليب تحافظ على ما تتضمنه من معلومات دون المساس بها وبحيث تعطى الإمكانية لأجراء المزيد من البحوث والدراسات في المستقبل للحصول على المزيد من المعلومات. ومن هذا المنطلق فأن الخطوة الأولى للترميم تتمثل في عملية دراسة ما يحمله الأثر من معلومات وترجمتها
( الدراسات المختلفة ، التحاليل ، البحوث ، المقارنات ) حتى يمكن تحديد الوسيلة المناسبة للعلاج التي لا تؤدى إلى المساس بأي من هذه الأدلة التاريخية والمعلومات التي يحملها الأثر وبالتالي لا تؤثر في قيمته ، وفى الحالات الاضطرارية يراعى الحفاظ على أكثر هذه المعلومات أهمية. ولترجمة المعلومات التي يحملها الأثر فإن ذلك يعتمد على المجهود المتكاتف لأكثر من تخصص وبصورة رئيسية الأثري والمرمم والعلمي”[5].
وبذلك يمكن حصر تعريف ترميم المخطوط فيمايلي:
هوعملية إصلاح لما أصابه من تشوهات شكلية كالتمزق والتفتت وانتشار الثقوب والقطوع وأيضاً فقد أجزاء منه، كالهوامش والنصوص، ويعتمد هذا الإصلاح على الخبرة العلمية والمهارة الفنية وإضافة اللمسة الجمالية للمخطوط المرمم.
ومفهوم ترميم المخطوطات هو ببساطة إعادة تجديدها من دون إضافة أي لمسة تجديد أو تحديث حتى لاتفقدقيمتها الأثرية وللحفاظ على المعنى والجوهر الخاص بالفترة الزمنية البعيدة التي يطل منها الأثر أينما كان، مخطوطات، معمار، جداريات، قصور، متاحف، سيارات، توابيت، فخاريات، منمنمات وصناديق، أثاث، كل ذلك وأكثر هو تاريخ مرئي يعيش بيننا.
المراجع:
[1]-Yash Pal Kathpalia II Unesco Paris 1973. Conservation et restauration des documents d’archives.paris 1973.ISBN.Unesco.
[2]- ابن منظور: لسان العرب[ مادة رمم] 3/1736، طبعة دار المعارف.
[3]- المعجم الوسيط: إبراهيم أنيس، عبد الحليم منتصر، عطية الصوالحي، محمد خلف الله أحمد، الناشر مجمع اللغة العربية بالقاهرة، مكتبة الشروق الدولية، جزء واحد، ط4، 2004.
[4]-معجم اللغة العربية المعاصرة: الأستاذ الدكتور أحمد مختار عمر بمساعدة فريق عمل،ص944- 954، المجلد الأول، عالم الكتب- القاهرة،ط1، 1429هجري/2008 ميلادي.
[5]- مقالة للدكتور محمود عبد الله محمد، أخصائي ترميم آثار بالمتحف القومي، مصر.