السياق والرسالة والمعنى في فن الغرافيتي" باكنسي نموذجاً"
أدت كثير من الممارسات التشكيلية الحديثة والمعاصرة إلى تغيير دور الجدار النمطية ليصبح حاملاً تشكيلياً، فكان أداة إعلامية وإشهارية، تعرض مباشرة للجمهور العريض بكافة مكوناته الاجتماعية، أهم المنتجات الصناعية والغذائية وكل الفعاليات الثقافية، لكن استغلال الجدار تشكيلياً من قبل الفنانين التشكيليين، كان انطلاقة لفن الغرافيتي، هذا الفن الذي حمل وعبر عن أوجاع الشعوب والمجتمعات وهواجسها وأحلامها بطريقة مباشراتية، تعتريها تلقائية وصدق كبير عن طريق الرسومات أو الكتابة، مفصحة عن مشترك يضع يديه فوق الداء ويعرضه بألوان وأشكال كبيرة تستوعب الفكرة والحدث المصور.
اهتم أكثر من فنان بطريقة الأداء التشكيلي، لإيصال فكره الفني وإبداعاته بدون وسائل الاتصال الحديثة أو دعاية مصطنعة داخل أروقة المعارض أو المهرجانات، ليضع الفن في مواجهة الجمهور مباشرة وفي تماس معه في فضاءاته اليومية والمعتادة.
-باكنسي نبض العالم
بانكسي (Banksy) هو فنان جرافيتي بريطاني مجهول الهوية اشتهر بأعماله الفنية المثيرة التي تظهر في الأماكن العامة. بدأ نشاطه الفني في التسعينيات وأصبح واحدًا من أكثر الفنانين شهرة في العالم. تتميز أعماله الفنية بالأسلوب الساخر والمباشر، وغالبًا ما تتناول موضوعات سياسية واجتماعية بطريقة مبتكرة.
يشتهر بانكسي بقدرته على استخدام الفن لانتقاد المجتمع والسياسة، وغالبًا ما تحمل أعماله رسائل قوية عن الحروب، والفقر، والعدالة الاجتماعية. أحد أشهر أعماله هو “الفتاة مع البالون” (Girl with Balloon)، وهو تصوير بسيط لطفلة صغيرة تطلق بالونًا على شكل قلب.
بالإضافة إلى لوحات الجرافيتي، قام بانكسي بإنشاء بعض المعارض الفنية المثيرة للجدل، مثل “ديزمالاند” (Dismaland) الذي كان عبارة عن متنزه مؤقت ساخر ينتقد الثقافة الاستهلاكية والمجتمع المعاصر.
رغم شهرته العالمية، لا يزال بانكسي يحتفظ بهويته الحقيقية سرًا، مما يزيد من الغموض حول شخصيته وفنه.
اعمال باكنسي الغرافيتية
2-1- قراءة نقدية للوحته جوكندا تحمل سلاح:
لوحة “جوكندا تحمل سلاح” (Mona Lisa with a Gun) هي واحدة من الأعمال الفنية المثيرة للجدل التي تحمل توقيع الفنان الشهير بانكسي. في هذه اللوحة، قام بانكسي بتحويل الصورة الشهيرة لـ “الموناليزا” للرسام الإيطالي ليوناردو دافنشي إلى مشهد ساخر وجريء حيث تحمل الجوكندا سلاحًا ناريًا، مما يثير تساؤلات حول معنى اللوحة ورسالتها.
2-2- قراءة نقدية للعمل
التلاعب بالأيقونات الثقافية: بانكسي معروف بأسلوبه في استخدام الرموز الثقافية الشهيرة وتغيير سياقاتها لتوجيه رسائل معينة. في هذه اللوحة، يُظهر “الموناليزا” وهي تحمل سلاحًا ناريًا بدلاً من ابتسامتها الغامضة والمسالمة. هذا التلاعب بالأيقونات الثقافية الشهيرة يهدف إلى جذب الانتباه وتوجيه رسالة نقدية قوية حول العنف والسلاح في المجتمعات الحديثة.
انتقاد العنف:
بانكسي يستخدم رمزية “الموناليزا” لتسليط الضوء على التناقض بين الجمال والسلامة التي ترتبط بها اللوحة الأصلية وبين العنف الذي يمثله السلاح. ربما يشير بذلك إلى كيفية تحول الأيقونات الثقافية إلى أدوات ترويجية لأيديولوجيات العنف في المجتمعات.
الرسالة السياسية والاجتماعية
اللوحة تمثل انتقادًا مباشرًا للأوضاع الاجتماعية والسياسية، حيث يشير بانكسي إلى أن حتى أكثر رموز الجمال والثقافة يمكن أن تُشوه بفعل العنف. من خلال إظهار “الموناليزا” مسلحة، يعبر بانكسي عن رؤيته القاتمة للعالم الحديث، حيث العنف قد أصبح جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية.
التأثير النفسي على المشاهد:
استخدام بانكسي لشخصية “الموناليزا” المحبوبة عالمياً وإضافة عنصر السلاح يعكس قوة الفن في إثارة مشاعر متناقضة لدى المشاهد. فالتنافر بين الصورة التقليدية للموناليزا وبين الفكرة الجديدة التي يقدمها بانكسي يثير مشاعر من الدهشة والتوتر، مما يدفع المشاهد للتفكير في الرسالة الأعمق وراء العمل.
التقنيات الفنية:
من الناحية الفنية، يحافظ بانكسي على التفاصيل الدقيقة التي تشتهر بها “الموناليزا” الأصلية، ولكنه يضيف عنصراً غريباً عن طريق السلاح، مما يعزز التناقض ويجذب الانتباه إلى التلاعب بالأيقونة الثقافية.
الخلاصة
تُعَدّ لوحة “جوكندا تحمل سلاح” لبانكسي تعبيرًا فنيًا قويًا عن النقد الاجتماعي والسياسي. من خلال التلاعب بأيقونة ثقافية مثل “الموناليزا”، يعبر بانكسي عن مخاوفه من انتشار العنف في العالم الحديث. اللوحة تستفز المشاهد للتفكير في كيفية تأثير العنف على القيم الثقافية والإنسانية، مما يجعلها واحدة من الأعمال الفنية التي تحمل رسالة عميقة وتتجاوز حدود الجماليات التقليدية.