الفنون الأدائية( البرفورمانس)La performance
تنتمي فنون الأداء إلى فنون مابعد الحداثة الفنية، التي تعتمد المفهوم منطلقاً لها في عروضها الأدائية، إذ أدت إلى خلط ودمج وعدم تمايز الفنون عن بعضها، كأداة لإخراج مشهد، يمت بالصلة للفنون الجميلة من خلال المفهوم، وكيفية تجسيده على أرض الواقع، فالفن الأدائي صورة حية ومستمرة في الزمن، وهو منحى يتشارك فيه المفهوم والصورة التشكيلية مع ” الفنون المسرحية” ، أي يتصف بالتمسرح واشتراك فنون عدة في تأليف المشهد مثل” فن الفيديو، الموسيقى، الرقص، المسرح،…وتعتبر الفنون الأدائية نوعاً آخر من التعبير عن الصورة.
يصعب تحديد مفهوم الفنون الأدائية، كونها ترفض التصنيف والتعيين والانتماء لنوع فني دون آخر، فهي حسب القواميس والمعاجم المختصة، تعرف أنها أنشطة مشتقة من فعل الأداء، وقد تم إثبات مصطلح الفنون الأدائية مع مفردات النقد الفني في أوائل السبعينات( في أمريكا) وهو ينطبق على أي مظهر فني يكون فيه الفعل أو لغة التنفيذ ذات قيمة ويؤدي إلى تقدير جمالي متميز.
هنا نتسائل هل يعتبر فن الأداء نوعاً من التفسير أو التاويل؟..، وهل نستطيع تصنيفه ضمن الفنون التشكيلية..، وهل هو تجاوز لحدود الفن إلى اللافن؟.. وإلى أي مدى وصلت عروض الأداء في تجاوزاتها المفاهيمية ولمن تتوجه وما هو هدفها؟…
“ظهرت بدايات “فن الأداء /Performance” في عام 1950، حين قدّم “جورج ماثيو /Georges Mathieu” في مسرح “سارة – بيرنار /Sarah – Bernhardt” في باريس سهرة شعريّة قام في أثنائها برسم لوحة واسعة على المنصّة خلال عشرين دقيقة. ليظهر العديد من عروض فن الأداء في فترة الخمسينات من أهم منفذيها “جورج ماثيو /Georges Mathieu”، “جون كاج/John Cage” ومجموعة “غوتاي /Gutai” الفنيّة اليابانيّة ،و”كازو شيراجا /Kazuo Shiraga”..”[1] سنورد كلام للدكتور “أسعد عرابي” يصف هذا الإتجاه الفني ويُظهر تعاون الفنون فيه : [طقوس (التجليات التوليفية)، التي عرفت تحت اسم (البرفورمانس (Performance) يعتمد هذا الإتجاه بشكل عام على الحدث العابر المشهدي، وعلى تحالف شتى الفنون
التوليفية، من مؤثرات صوتية، وضوئية، إلى السينوغرافي، والكوليغرافي، والرقص، والحركات الإيمائية، والديكورات المسرحية، والتصوير الجداري وإسقاطات الفيديو إلخ… فهو وليد التعبير الدادائي المشهدي (الإحتفائي)، الذي كان يجرب في مسارح (العبث) من أمثال ملهى (فولتير) في (زيوريخ) ما قبل الحرب، ولا شك أنه قد خضع لتأثيرات المسرح التوليفي (من مثال باليه إريك ساتي)، ومسرح برخت الذي كان يعتمد على المبادلة بين الممثلين والمشاهدين. وقد عرفت بدايات (البرفورمانس) الموسيقي، منذ عام 1962 من خلال جماعة “فلوكسيس”[2] التي نظمها الأمريكي (ماسيانوس) في ألمانيا تحت عنوان (كونسير من الضجيج)، ثم غلب نشاط الفنان (جوزيف بويز) على المجموعة في دوسلدورف ليرفع الحدود بين التعبير الفني والحياة، وما (الحدث) (الهابينغ) إلا”برفورمانس” جماعي إحتفالي، يعتمد على جماهيرية الأداءات الجسدية العارية، الموسومة بهلوسات الحلم وغيرها”..[3]
يحتاج الفن الأدائي إلى حضور الفنان والجمهور والزمان والمكان والعلاقة التفاعلية بين المبتكر والجمهور، وسيناريو يحدد منهجية العرض الأدائي، ورسالة ومفهوم ينبني عليه المشهد الفرجوي.
أمثلة مشهورة في فنون الأداء :
- تجربة جون كيج، حبس جون كيج نفسه مع ذئب لعدة أيام في قفص في صحراء، كل ذلك تحت عنوان( دون أن تطأ قدمك التراب الأمريكي) من خلال هذا الأداء يستحضر الفنان تاريخ أمريكا ( الذئب هو رمز الشعوب الموجودة على الأرض في المنطقة قبل غزوها) وتجاوزاتها الرأسمالية، ويشير إلى رفضه أن تطأ قدمه التراب الأمريكي مادامت حرب فييتنام.
- قام الفنان كريس بوردن أحد رواد فن الجسد، بوضع جسده على المحك في مناسبات عديدة، من خلال النار والرصاص أو الماء أو الكهرباء أو حتى الزجاج، مشككاً في علاقة الجسد بالعناصر، وهي تجربة خطيرة بالنسبة للفنان، فلابد أن الفن كان خطيراً، كما حدث في عام 1971م عندما كان نشطاً ضد حرب فييتنام، فقد طلب من أحد أصدقاءه إطلاق النار على ذراعه، وهي طريقة لتقليل الرعب من أجل ترسيخه في الواقع، والتشكيك في فكرة التضحية وإزالة الغموض عن الألم والخوف، حصل هذا الأداء في 1974مفي لوس انجلوس، اسم الأداء Trans Fixed،
- عرض لمارينا أبراموفيتش-Rest Energy 1980 ،تعتبر مارينا واحدة من أكثر الثنائيات شهرة في الفن المعاصر، فهي فنانة صربية الأصل وقد قامت مارينا ورفيقها الفنان الألماني (اولاي)، بدراسة العلاقة بين جسد وعقلين والديناميات النفسية للزوجين من أجل أدائهم، Rest Energy 1980، الذي تم عرضه في امستردام، فقد قاموا بتصويب سهم يحمله “أولاي” في قوس تحمله مارينا، يشير مباشرة إلى قلبها، لمدة أربع دقائق، كانت الأصعب بسبب التوتر وثقل الأجسام، وكانت الميكروفونات تتدلى بالقرب من قلوبهم، والتي نمت وتسارعت دقاتها أكثر فأكثر مع مرور الدقائق، وهو أداء يتحدث عن الثقة الكاملة وهو من أصعب عروض مارينا.
- ابراهام بوانشيفال في جلد الدب 2014م.استكشف الفنان الفرنسي جوهر الطبيعة البشرية من خلال الفقد التدريجي للحواس، وهو يدرس مفاهيم الحدود الجسدية والعقلية والحبس الانفرادي ولاسكون، في عام 2017م حبس نفسه لمدة أسبوع في حجر جيري كبير معروض في معرض طوكيو2014م. كما قدم عرضاً أدائياً كاملاً داخل جلد الدب مع مرافقة كاميريتن اثنتين لتصوير مراحل العرض الأدائي.
[1]– بهنسي عفيف، البهنسي، د.عفيف ،من الحداثة إلى ما بعد الحداثة في الفن، دار الكتاب العربي، دمشق – القاهرة، الطبعة الأولى، 1997.
2- فلوكسيس:Fluxus، تعني التعبير أو التدفق TOFLOW، وهي امتداد للحدوثية الأمريكية، كان وراءها الفنان الألماني( جوزيف بويز) وهي متألفة من شبكة عالمية من الفنانين والملحنين والشعراء، وهي امتداد للدادائية الجديدة، ذات نشأ فوضوي، كما تطمح الفولوكسيس إلى التحرر من جميع أنواع الكبت الجسدي والعقلي والسياسي، كما أنها تعبر عن الفوضى، وترفض الحواجز المصطنعة بين مختلف الفنون وبين الفن والحياة.
[3] – عرابي، د. أسعد، مقال بعنوان “تزاوج أنواع الفنون في نزعة مابعد الحداثة”، جريدة “الفنون”، شهريّة فنيّة تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت، العدد 4، أبريل-نيسان – 2001.