تقنيات تذهيب المخطوطات الإسلامية

مقدمة

استخدم العرب القدماء اساليب عدة في طريقة تذهيب المصاحف القرآنية المخطوطة، كذلك بعض المخطوطات الخزائنية، كما استخدم التذهيب في الخط العربي والمنمنمات المصورة، فكل خطاط مذهب بالضرورة، فكيف تم تطبيق تلك التقنية على المقتنيات التراثية .

 يعتمد التذهيب على استعمال أوراق الذهب أو طلاء الذهب، ما يشير إلى دخول معدن الذهب في تكوين مواد التذهيب، فما هو معدن الذهب وماهي خواصه واستعمالاته؟….

الذهب: توضح موسوعة العلوم العربية أن الذهب “هو فلز ثمين جداً وعنصر كيميائي يرمز له بالرمز Au وعدده الذري 79 في الجدول الدوري. ويسمى بحالته الطبيعية قبل الضرب ب “التبر”. وهو لين ولامع أصفر اللون، امتلاكه يدل على الثراء”[1]، قابل للصهر والتغير وعدم قابليته للأكسدة والتحلل، ما يعطيه صفة الديمومة والخلود كما يعتبر وسيلة لتعظيم المستندات القديمة.

يتم تحويل الذهب إلى سبائك وأسلاك ورقائق، لاستخدامه في الصناعة، بالطريقة ذاتها من مئات السنين، حيث يسبك الذهب مع النحاس أو الفضة لصنع رقائق ذهبية، استخدمت في مجال الترصيع مثل” تمثال لفرعون مصنوع من الخشب ومرصع بالذهب، موجود في متحف دمشق”، صنع العملات الذهبية والتماثيل والأواني، و “تنسب أول عملات ذهبية نقية ومختومة إلى “كرويسوس” ملك ليديا تلك المملكة التي وقعت على ساحل آسيا الصغرى، وتم حفرها  561-566 ق.م، نحجت المملكة في صقل الذهب لاستخدام العملات باستعمال الملح ودرجات حرارة بين600-800درجة مئوية”[2]، كما نلاحظ أن خصائص الذهب الفيزيائية والكيميائية، أدت إلى ظهور الأحبار الذهبية وما يسمى بماء الذهب، وظهور حرفة التذهيب وحرف أخرى لها علاقة بمعدن الذهب، تعود إلى الحضارات القديمة  قبل الميلاد مثل الحضارة اليابانية والهندية والصينية، مسينا وروما التي زينت كتبها ولوحاتها والفسيفساء خاصتها بالذهب. أما استعماله في الكتابة وتزيين المخطوطات القديمة، فقد تم لحفظ وتعظيم ما تم تدوينه لقيمته الحضارية.

مخطوط قرآني مذهب
مخطوط قرآني مذهب
  • تعريف التذهيب

ورد في معجم مصطلحات المخطوط العربي تعريف التذهيب وهو: “طريقة فنية لإكساء الأشكال والزخارف بطلاء ذهبي المنظر براق، ووصفه القلقشندي في كتابه صبح الأعشى قائلاً: إنه محلول من برادة الذهب ممزوجة بالماء والصمغ وعصير الليمون، ويعطي تأثيره بريقاً لامعاً وهّاجاً للأشكال المطبّق عليها، واستخدمت طرق كثيرة في التذهيب، منها الضغط بالذهب المصهور، أو الضغط بصحائف الذهب تحت القوالب الساخنة المنقوشة، وكذلك وضع تلك الصحائف على الزخارف المضغوطة وإعادة الضغط عليها وهو الإذهاب أيضاً”[3]. وكما أشرنا سابقاً يوجد تذهيب لمّاع وتذهيب مطفّى.

    كما ورد في لسان العرب لابن منظور تعريف آخر للتذهيب وهو: “الإذهاب والتذهيب واحد وهو التمويه بالذهب، ويقال ذهّبت الشيء فهو مذهّب إذا طليته بالذهب”[4]. وبشكل عام هو طلاء الجزء المراد تذهيبه من الورق أو الجلد أو أية مادة أخرى، باستخدام ماء الذهب، الذي أخذ تسميته ” تذهيب”من المعدن النفيس ذاته، حيث يحتاج إلى إعداد الورق المراد تذهيبه وإعداد ماء الذهب بأدوات وتقنيات عديدة، ضمن تقاليد معينة ، تطورت عبر العصور المتعاقبة في التاريخ الإسلامي، يقوم بها متمرسون في التذهيب.

    اشتهرت المخطوطات القرآنية بالتذهيب، لاعتبار أن تذهيب المصاحف عمل فيه تقرب إلى الله سبحانه وتعالى، برز ذلك في العصر العباسي أي في القرن الثالث الهجري وهو مايؤكده الباحث محمود عباد الجبوري “لعل أقدم مثال على غرار المصاحف الكاملة التذهيب، تلك التي في حيازة مكتبة “شستر بيتي” في دبلن وأبعادها (28.5×12سم)، وهي جزء من مصحف يعود تاريخه إلى سنة (287هجري/900ميلادي)”[5]. وهنا يشير الباحث إلى تطور تقنية التذهيب وكمالها، ما يثبت وجود هذه التقنية في عصر سابق، لأن الباحث زكي محمد حسن ذكر ” أن الإمام علي بن أبي طالب كان أول من ذَهَّبَ مصحفاً”[6]، غير أن التطور الكبير الذي حدث في هذا الميدان، يعود إلى “ابن البواب” الذي احترف الخطاطة والتزويق عن طريق كتابة الجزء المفقود من مصحف ابن مقلة الوزير وتذهيبه، بإضافة تقنية تعتيق الذهب حتى يطابق النسخة الأصلية للمخطوط.

يتم عادة تذهيب الصفحات الأولى من القرآن الكريم والصفحات الأخيرة، وذلك بإحاطة المتن بإطار خاص مذهب، يختلف شكله من مربع ومستطيل إلى دائري وأشكال أخرى مبتكرة، والقيام بالزخرفة على جوانب الصفحات في الهوامش. تستمر عملية التذهيب أيضاً لتشمل فواصل الآيات والأخماس والأعشار مختلفة الأشكال. وحواف الصفحات والأغلفة.

            اعتنى فن التذهيب الإسلامي بتزيين كتب الشعر والقصص المعروفة بقصص الملوك شاهنامة المؤرخ سنة (831هجري/ 1427ميلادي)، اشتهر به الإيرانيون  في عصر السلاجقة ثم تطور في عصر المغول والصفويين وازدهر كثيراً في العصر العثماني.

  • طرق تحضير ماء الذهب.

أما عن طرق تحضير ماء الذهب فقد ورد في كتاب “فن التذهيب العثماني في المصاحف الأثرية”[7] للباحثة شادية الدسوقي عبد العزيز أساليب تحضير ماء الذهب ( حل ورق الذهب)، والتي يبلغ عددها ستة عشر طريقة تختلف في الإعداد، وذكرت أيضاً أدوات التذهيب وهي على التوالي : مصاقل الذهب، لوح الصقل. أما أدوات سحق الذهب فهي الصلاية والفهر، ثم نجد الجفافة وهي قطعة من الإسفنج البحري، سكين لقطع ولصق رقائق الذهب، المسطرة، الأقلام المستخدمة في التذهيب وهي على نوعين أقلام ريشية وأقلام الشعر، الدواة لوضع محلول الذهب.

  • مواد التذهيب

أما مواد التذهيب فهي عبارة عن رقائق الذهب ( ورق الذهب) ومحلول الذهب، الذي استطاع العرب القدماء استخراجه من مواد أخرى كالزرنيخ بأنواعه المتعددة، التي تضاف إلى مواد أخرى لتأتي بلون الذهب، وهو ما نستطيع إطلاق عبارة (الخيمياء)[8] عليه.التي استعملت على نطاق واسع في تزيين وتذهيب المخطوطات.

رغم غلاء أسعار الذهب في الوقت الحاضر، لا يزال التذهيب يطل علينا من خلال مهن التراث، التي لازالت تحافظ على أدوات وجودها وخلودها وقيمتها الحضارية، لا سيما ميدان الخط العربي، وبعض الصناعات التراثية، التي وجدت بديلاً عن الذهب في معادن أخرى لها الخصائص ذاتها، تسهيلاً لاقتنائها ونشرها وحفاظاً على تراثنا من الضياع والاندثار في ثنايا المتاحف، لنلاحظ أن دورها مقتصر على العرض في واجهات زجاجية داخل حجرة في متحف.

المراجع:

[1] – موسوعة العلوم العربية:ذهب. انطلقت الموسوعة بمجهود تطوعي 2009م. آخر تعديل للصفحة 21 ديسمبر 2015. على الساعة 22.https://www.arabsciencepedia.org/wiki – 

2- عماد (مادونا): تاريخ التصاق الذهب بالعبادات بين فن التذهيب الإسلامي وأقدم الحضارات. الذهب من حافظ للتراث إلى اختراقه عالم الأطعمة والزينة. مقال كتب يوم4.9.2019. موقع المصري اليوم.

[3] –  بنبين (أحمد شوقي): معجم مصطلحات المخطوطات العربية “قاموس كوديكولوجي،( الخزانة الحسنية الرباط، 2005م).ص79.

[4] – ابن منظور: لسان العرب لابن منظور، حرف الذال «ذهب»، الجزء السادس،( دار صادر، بيروت، عام 2003م).ص49.

5- الجبوري (محمود عباد): خط وتذهيب القرآن الكريم حتى عصر ابن البواب، (منشورات الدار العربية للموسوعات، بيروت،2013م).ص245.

[6] – زكي (حسن محمد): مقالة في مجلة الثقافة في تذهيب المخطوطات في الفن الإسلامي ، (العدد )2، مصر.دت.ص26.

7- الدسوقي عبد العزيز( شادية): فن التذهيب العثماني في المصاحف الأثرية، كلية الآثار، جامعة القاهرة، الناشر دار القاهرة2002م.

8- الخيمياء: تحويل الفلزات الوضيعة مثل الرصاص إلى ذهب.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page

X