مسرحة اللوحة المرسومة عند حركة غوتاي"Guttai".

لا يزال دور حركة “غوتاي “في الفن المعاصر غير محدد تماماً، على الرغم من فرض وجودها على المستوى العالمي(1954-1972)، باعتراف الفرنسيين ثم الأمريكي جامع أعمال فنية وناقد ورسام ومروج للأعمال التشكيلية “آلان كابرو”.

كانت الحركة موضع ازدراء في المجتمع الياباني، لكن التشكيلي “جيرو يوشيهارا” أسس ووضع بياناً للحركة أوضح فيه أهم منطلقاتها النظرية والتجريبية، فقد جاء في مقدمة خطابه لأتباعه المعنون “على هامش الفن التجريدي” هذه المقولة “افعل مالا يفعله أحد”، رغبة منه في فتح المجال للفن الياباني على التقنيات الحديثة والعالمية،  التي تستطيع إحداث تغيرات واضحة على مفهوم الفن في اليابان، كما دعا إلى الانفصال عن الفن الياباني، الذي يميل إلى تقليد الابتكارات الغربية بعبودية شديدة.

أصدر”يوشيهارا” بيان الحركة، الذي يلخص مساراتها التشكيلية والجمالية، والذي يؤكد على التفاعل الدقيق بين الروح والمادة، وهذا ما يفسر اسم “غوتاي” أي البيئة الملموسة التي تتألف من ” المكان، الجسد، الإيماءة، المادة التي ينبثق منها العمل، الطاقة الجسدية، العنف” وبالتالي تحويل اللوحة إلى نظام ديناميكي متطور، بحيث يتم تجاوز ثنائية الأبعاد إلى ثلاثية الأبعاد، فأصبحت اللوحة مجالاً لاستضافة عرض حي، باستخدام الجسد أو أحد أعضاء الجسد المشبع بالألوان، أو أي أداة أخرى أمام متفرجين من شرائح مجتمعية مختلفة، فالفنان “كاناياما أكير” يستخدم هيكل معدني ذو محرك كهربائي، فوقه علبة يملؤها بالألوان، يقوم الفنان بتسييرها على رقعة من القماش المعد للرسم، موضوعة فوق الأرض، بالتالي ترسم حركة الهيكل المعني لونياً على سطح القماش ، تعاريج خطية متنوعة الاتجاه تكتمل بإرادة الفنان، بعد ذلك يأتي دور العمل الشخصي المضاف لعمل الأداة، ويمرر الألوان بطريقة مغايرة، وفي عمل آخر يستخدم قدميه بالرسم، يتم أداء الأعمال في ملعب وأمام الطلاب .

gutai-shiraga.

تأتي خصوصية هذه الحركة في تمثلاتها لجماليات الأجداد اليابانية وانغماسها في مشروع ابتكار مستقبلي يقوم على أنقاض الفن القديم، لكنها لم توجد بدائل كبيرة إذ وجدت نفسها تحاكي الفن الغربي شكلياً، فالأعمال الغربية والأعمال اليابانية تتشابه لكن القصص التي وضعت فيها تميزها بشدة كبيرة، لأن موضع احتجاجي في أوربا لا يمكن أن يصبح كما هو في اليابان، مثلاً في حالة “جاكسون بللوك وماتيو” ولد العمل من لقاء مباشر بين المادة والنظرة والذهاب بالعمل إلى ماوراء التصوير، يتضمن ذلك  القطيعة مع “الشكل” الحقيقي عن طريق” المادة” الموجودة في الواقع، أما حركة غوتاي فلها نظام آخر، فالحداثة في رأيهم لا تكمن في الإيماءة أو الفعل أو السرعة ولا في الأداء الجماعي، ولكن أكثر من ذلك بكثير، فقد استخدموا الآلة والمواد الصناعية، وهدفهم تعريف مكانية الأشياء والفن بشكل عام، فمن خلال دمج الصفات البشرية وخصائص المواد يمكننا أن نفهم بشكل ملموس الفضاء المجرد، وهم يعتقدون أن الفن التجريدي شيء ملموس لأنه مبني من أشياء حقيقية مثل أجساد الفنانين أو المواد التي تم إنقاذها.

  • العودة إلى اللوحة على حساب الأداء

تخلت “غوتاي” عن تعليق لوحاتها بشكل تقليدي في أروقة المعارض، إذا علقت أعمالهم المرسومة بمحاذاة الأرض وهو ممارسة قديمة في اليابان.

يتم محاذاة اللوحات دائمًا تقريبًا من الأسفل على بعد متر من الأرض ، أو حتى أقل من ذلك. ولكن من 1961-1962 تغير التخطيط. على الرغم من أن الخط الأوسط لا يزال منخفضًا جدًا ، إلا أن المحاذاة (التي نادرًا ما تكون متماثلة تمامًا) تكون عند مستوى العين. في الوقت نفسه ، تصبح الجدران بيضاء ، في حين أنها في السابق يمكن أن تكون  حمراء أو زرقاء. يمكن تفسير هذا التحول على أنه التخلي عن النوع “التقليدي” من التعليق ، لأتباع الذوق الغربي، والاقتراب من نظرة المتفرج العادي، وبالتالي التخلي عن المفهوم الشخصي للفن.

تحمل “غوتاي “مشروعاً مستقبلياً خاصاً، فاستخدام التجريد كان للتغلب على الاختلافات الاجتماعية والثقافية والمحلية والعالمية.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You cannot copy content of this page

X