بقلم أ.د خولة قلعةجي الجملي
الطّية مفهوم متعدد التمثلات في الفنون التشكيلية
يمكن تعريف الطيّة أو الانثناء في المادة( قماش ،ورق ، كرتون،……) مثل تحويل يتم على التكوين الداخلي للعنصر المراد طيّه ليتبعه تعديل في جوهره الذي يتظاهر شكلاً، ذو تكوينات تبدل المفهوم الأصلي للمادة إلى مفهوم لمنجز وممارسة تشكيلية، تدفع بالمتقبل إلى تأمل الجديد المتشكل. الذي يتميز بعلائقية شديدة، كونه اتصال مادوي وانفصال بالوقت ذاته، فهو يحيل إلى الظهور والاختفاء والحضور والغياب والمرئي والمخفي، نميز فيه طبيعة التحول والمدلول وطبيعته، فهل يؤدي بنا التشكيل الجديد إلى فلسفة ( الطي)، التي حفل بها الفن التشكيلي المعاصر كمفهوم متعدد الدلالات.
لم يقتصر وجود الطيّات في الملابس، ولكن مجرد تحويل اتجاه لأي سطح عن طريق الثني، يعتبر عملية طيّ، بالتالي نستطيع أن نتحدث عن ديناميكية تحصل للعنصر المقصود بالفعل التشكيلي، الذي اختلفت رؤاه من حقبة زمنية إلى أخرى، جعلت اعتبارات المفهوم تتبدل تباعاً للزمن وتطوراته، كما نستطيع أن نطلق كلمة (طيّة) على تركيبات تتم وفق تصورات التأليف التشكيلي، كما في العمارة والنحت والسطوح البارزة والأعمال التشكيلية التي تطرح جمالية مغايرة، وهي تكوينات ثلاثية الأبعاد مهما اختلف نوع السطح المعالج والذي تم تحويل الهوية البصرية خاصته.
وفي طيِّنا للماضي نجد أشكالاً عديدة للطيّة في المنمنمات الإسلامية ، والأيقونات السريانية، والأيقونات البيزنطية حيث برع الإغريق في تصوير طيّات القماش كما في تمثال فينوس المبتلة وغيرها من التماثيل التي تبرز حركة الجسد وتشريحه تحت تلك الطيّات، فهي تصوير لحركة الشخص وبالتالي تتبعها حركة الثياب والقماش الذي تتكون منه ناتجة عن تقاليد معينة في اللباس وتقاليد فنية معينة، تتدرج في مظاهرها من أسفل الهرم الاجتماعي إلى أعلاه، وهي تحمل فلسفة خاصة بالمرجعية الدينية والمرجعية الفنية لتلك المرحلة التاريخية والتقاليد الاجتماعية السائدة حينذاك.
تمثل الطيات في كثير من الأحيان غالب المساحة التشكيلية في الأعمال الكلاسيكية، حيث تتم دراستها بكل دقة وعناية فهي تشكل مقياساً لمقدرة الفنان من نقل أدق تفاصيل المشهد المصور لاسيما اللباس، نجد ذلك في لوحات الاستشراق التي رسمت الستائر وأغلفة المناضد والعمائم وألبسة النساء والرجال على السواء
تمثيل للطيات في اللباس، المصدراستشراق: متحف
فرحات الفن من أجل الإنساني
Farhat Art Museum Collections
الاعتناء بدراسة طيات القماش عند المستشرقين
ايميديو سيموناتي
تنوع تمثيل الطية في الفن التشكيلي، لنجد طيات مسطحة مرسومة بخطوط ، قد تتراكم في جهة دون أخرى لتبليغ قوة لتعبير القصوى، كما في المنمنمات الإسلامية التي صورت طيات القماش والصخور ضمن تقاليد معينة متوارثة،لا تخفي الأثر التصوفي والخلفية الدينية والفلسفية في تمثلاتها الصورية للشخصيات المرسومة، فالجسد فيها مرئياً من خلال الحركة والطيات الواضحة على الأقمشة ، وهي طيات مكونة من خطوط منحنية معقدة أحيانا ، وأحياناً أخرى بسيطة أو مكونة من مساحات صغيرة أو خطوطاً طويلة نسبياً، ولا توحي هذه الخطوط بالحجم أو الكتلة وإنما تتسم بالتسطيح والتبسيط، كونها دلالة على الكينونة الحاضرة لأشخاص لاهوية لهم سوى انتمائهم للموضوع المصور، لذلك يبدو الجسد لامرئياً أيضاً وهي ثنائية الوجود والعدم، والجوهر والتواصل مع المطلق.
تم الانتقال من المشهد التسجيلي الكلاسيكي إلى ديناميكية المفهوم الحداثي، فأصبحت الطّية أداة تشكيل للسطوح، لنشاهدها في أعمال سيزار المضغوطة وبعض العمائر ذات الاتجاه المستقبلي والبنائوي في الفن التشكيلي مثل أعمال المعمارية “زها حديد” وبعض الأعمال النحتية التي تجاوزت مادة النحت إلى مادة المنحوت.