امتد وجود الحضارات القديمة في سوريا قبل إلى 2900ق.م، حيث لا تزال آثارها تشهد على وجودها، وهذه الآثار تتمثل في القصور الملكية والمعابد الدينية، الألواح الحجرية والطينية المنقوشة، الألواح الخشبية والعاجية إلى جاني الأختام والخزف المرسوم والمشغولات المعدنية، المليئة بالرسوم التزينية التوضيحية الدينية المرتبطة بالأسطورة.
تميزت هذه المنجزات الفنية بمواضيعها، التي دفعت وأكدت ووثقت وعياً جمعياً حضارياً معيناً يتصف بميتافيزيقته ونزوعه للروحانيات، التي نراها في تمثيله للآلهة والشخصيات الأسطورية والملوك أنصاف الآلهة، وقد تجلى ذلك في التصوير الجداري الذي يوثق مشاهد الحروب والصيد والرحلات التجارية البحرية، وطقوس الاحتفالات الدينية والأضاحي، كما نلاحظ تنوع المحامل التصويرية كالخزف المرسوم والحجارة والجلود التي تحمل مواضيع لاقل أهمية عن التصاوير الجدارية، كذلك نجد تماثيل المتعبدين التي تمتلئ بها مدينة ماري والفن الجنائزي في مدينة تدمر، الذي يقوم على نحت التماثيل والقبور وواجهات المعابد والمدافن، وهي أعمال فنية تلفت النظر إلى انتشار فن النحت والنقش والحفر بشكل واسع، فأكثر اللقى الأثرية هي اعمال نحتية، وهو امر يرجح اعتقاداً سائداً بسيطرة فن النحت على انتاجات الفن السورية قبل الميلاد.
الفن السوري فن زخرفي:
تميز الفن في الحضارات السورية قبل الميلاد، بحضور مكثف للزخرفة، ممارسة تشكيلية رافقت جل الموضوعات الفنية المنجزة، فلا يكاد يخلو منها عمل سواء كان رسماً أو نحتاً أو نقشاً. وقد وجدت بتوظيفات عدة، توحي بملامس تتنوع في مظهرها داخل اللوحة المرسومة، أو تكون كأشرطة زخرفية غايتها تأطير العمل الفني، من خلال طرح ترداد للشكل وحضور مكثف، ينبه إلى آلية بناء المساحة وتأليفها ضمن انساق تشكيلية ذات منحى زخرفي، قد يدفع إلى تبني رؤية شمولية عامة، تنعت الفن السوري بالفن الزخرفي، حيث يميل إلى التجريد والتحوير والاختصار في مراحل متقدمة من التجربة التشكيلية، المتركمة التي رسمت خطوطاً عريضة لمثل هذا الفن وهي ممارسات تدنيه من الزخرف قليلاً أو كثيراً.
نستطيع إدراج عناوين للفنون السورية قبل الميلاد تتمثل في:
1- التصوير الجداري:
تمتلك سوريا تصاوير جدارية تاريخية وقديمة جداً، تعتبر وثائق أرخت لقصص الأنبياء والرسالات السماوية عن طريق الصورة المرسومة والملونة، بطريقة حكائية، تم تقسيم الحداث فيها إلى مشاهد متتالية وكأنها سناريو بالمعنى الحديث للكلمة.
يحدثنا الباحث عماد الدغلي بما يلي” وتفتخر سورية بامتلاكها أقدم رسم جداري على حائط مبني من قبل الإنسان في العالم، مكتشف في تل(جعدة المغارة)1 الأثري، ينسب تاريخه إلى العصر الحجري أي حوالي ألف عام نهاية العاشر بداية الألف التاسع قبل الميلاد(9310-8830)ق.م، ما يؤكد آثارياً أن ظهور العصر الحجري الحديث في منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد في شمال سورية قد سبق ظهوره في اوربا، فضلاً عن امتلاكها لأقدم رسم جداري، يصور بشراً(23)ارمأة في منطقة الشرق الأوسط في موقع ( تل حالولة)2 الأثري، ينسب إلى العصر النيولتي، ماقبل الفخاري الوسيط، تؤرخ في الفترة الواقعة بين(8800-8500)عام قبل الميلاد. ولعل أبرز ماوصل إلينا هو رسومات قصر ماري الجدارية، التي تؤلف رغم تخريبها مجموعة مهمة جداً لدراسة الفن العموري في الألف الثاني قبل الميلاد”3، مثل لوحة تنصيب الملك زمري ليم ولحة الأضحية
كذلك رسومات دورا أوروبوس في منطقة الفرات الأوسط التي تصور قصص العهد القديم الدينية.
2- فن نحت التماثيل:
يعتبر النحت فناً تجسيدياً يقوم على إنشاء مجسمات ثلاثية الأبعاد، احتفت به حضارات سورية القديمة قبل الميلاد، فقد عثر في ماري على مجموعة هامة من التماثيل منه تماثيل معبد عشتار او تماثيل نيني- نارم الملكين “لمجي- ماري- زازا” وغالباً ما تكون تلك التماثيل لمتعبدين ملتحين حليقي الرؤوس والشارب وأياديهم مضمومة على صدور عارية ويلبسون الكوناكس من الأسفل، كما عثر على مجموعة تماثيل نسائية مثل مغنية المعبد الشهيرة “أورنينا” أما في إيبلا فغالبية اللقى الأثرية في مجال العمل النحتي هي أختام أسطوانية ونحت نافر على الألواح الطينية، كذلك الحال في الفن التدمري الذي يطغى على النحا مواضيع دينية أو مدنية، كما اطلق عليه علماء الآثار النحت الجنائزي.
3- الخزف المرسوم:
تمثل اللقى الخزفية غالبية اللقى الأثرية المكتشفة في سوريا وهي تتميز بكونها أما تصويرية أو زخرفية، يوجد فيها تاثيرات حضارية مجاورية ، خاصة خزفيات اوغاريت وإيبلا.
4- فن النقش على الأختام:
ينزع الإنسان في الشرق القديم إلى التملك والاعتقاد بالقوة والسحر والقوى الغامضة في الطبيعة، فعمد إلى صنع التمائم التي تطورت لتأخذ شكل الختم، وقد صنعت في البداية من الطين ثم الحجر الكلسي و من الحجر القاسي المشذب، وقد صور عليها مشاهد دينية أو معارك وحيوانات مفترسة تهاجم حيوانات أخرى وحيوانات خرافية وهي تمثل جزءاً من حكاية او فكرة.
5- الدمى الطينية والأقنعة:
تمتلء متاحف حلب وسورية وإدلب بالدمى الطينية على شكل تمائم او قلادات صغيرة الحجم تحمل شكل الآلهة الأم عشتار، تتسم ببساطة التشكيل والتحوير لتأخذ بعداً رمزياً، وتتكون في غالب الحيان من صلصال غير ملون.
6- الألواح الطينية المنقوشة:
تعتمد هذه اللواح المنقوشة على الطين أو الحجر الكلسي لعدم توفر الحجارة، ويمثل اعتمادها للنقش عليها أيضاً لعدم صلوحيتها في صناعة الأواني الخزفية، وهي نوع من الصلصال الرديئ الذي يتكون من ذرات غير ناعمة وغير متماسكةن وهي الواح هشة ذات مقاومة ضعيفة لعوامل التلف التي تسببها الحروب او عوامل الطبيعة,
لم تتغير مواضيع الألواح الطينية المنقوشة من تصوير للولائم الإلهية او مشاهد الحروب او الطقوس الدينية والملكية، لكنها طورت تقنية مختلفة تتراوح بين النحت والحفر، حيث تجمع بعض العمال هاتين التقنيتين معاً ، مثل الحواض النذرية في إيبلا.
تنوعت الخامات التي استخدمت للنقش، كالنقش على الحجارة الكريمة والعاج والخشب والخزف
برع الفنان السوري قبل الميلاد، بفنون موازية مرتبطة بالحِرَفْ أو الفنون الصناعية التطبيقية، وهذه الفنون هي صناعة الخزف وتشكيل المعادن والخشب والعاج والجلود والأنسجة والحلي، يلاحظ فيها اقتصار موضوعها على الزخرفة
المراجع:
1- تل جعدة: يقع على الضفة اليسرى لنهر الفرات شمال سورية.
2- تل حالولة: قرية سورية تقع بالقرب من ناحية منبج منطقة حلب المحافظة وهي تتبع إدارياً لها.
3- الدغلي (عماد)، وثيقة من منشورات وزارة الثقافة.سورية.